لا تهشموا مؤسسة البرلمان!

الحديث عن ترجيح عقد دورة استثنائية لمجلس الأمة الثامن عشر في الثلث الأول من الشهر المقبل، وإدراج مشروع قانون ضريبة الدخل على جدول أعمال تلك الدورة يعني من جهة وضع مجلس النواب تحت ضغط الوقت؛ إذ أن أي دورة استثنائية أو غير عادية يتوجب أن تنتهي دستوريا قبل الثلاثين من أيلول؛ حيث يفترض أن يدخل مجلس الأمة بعد ذلك في الأول من تشرين الأول في دورة عادية ثالثة، وهذا يعني أن عمر الدورة الاستثنائية لن يتجاوز في أبعد الحدود 20-25 يوما، وهو وقت قصير جدا لإقرار مشروع قانون جدلي بحجم مشروع قانون ضريبة الدخل كان سببا في إقالة الحكومة السابقة وتشكيل حكومة جديدة.اضافة اعلان
ومن جهة ثانية، فإن إدراج مشروع قانون ضريبة الدخل ضمن "استثنائية" مرتقبة (ما تزال وجهات النظر متضاربة حول جدوى عقدها) يعرض مجلس النواب لسيل انتقادات لا متناه من قبل الرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي قد يكون من الصعب عليه تحملها، ولعل الصفة الجاهزة التي سيوصف بها المجلس وقت ذاك بأنه (سلق) الضريبة سلقا، وهي تهمة حاضرة دوما لنقد المجلس ومن ثم المطالبة بحله.
حقيقية الأمر أن مجلس النواب لا يمكنه دوما تحمل تواصل الهجوم عليه من قبل الرأي العام، ووضعه دوما في منطقة إطلاق النار وحشره زمانيا من قبل الحكومات المتعاقبة، وهذا ما حصل في فترات سابقة؛ حيث وجد المجلس نفسه بعد كل حشر زمني ووقتي عرضة لهجوم ناري؛ إذ تحمل كثيرا مجلس النواب خلال أشهر مضت نقدا مرتفع المستوى، وتعرض لهجوم غير مسبوق حتى كانت المطالبة بحله سيمفونية يومية تردد على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يدفعنا دوما للسؤال عن السبب الحقيقي وراء تهشيم صورة مؤسسة مجلس النواب ومن يقف وراء ذاك، ولماذا يبدو دوما أن نقد مؤسسة مجلس النواب أسهل بكثير وأقل كلفة من نقد أي جهة أخرى!؟، ولماذا يتم التشكيك دوما بمؤسسة منتخبة من قبل المواطنين ووضع علامات سؤال حول أدائها؟!.
القصة ليست في نواب المجلس، أو في أشخاصهم، ولا في طريقة تعاملهم مع مشاريع القوانين التي تأتي إليهم؛ إذ إنني أعتقد أن القصة أعمق من ذلك وأبعد، فالتعرض الدائم لمؤسسة مجلس النواب وتجريدها من أدواتها الرقابية والتشريعية سيجعل الناس بعيدين عن الثقة بتلك المؤسسة، وبالتالي بعيدين عن العملية السياسية والإصلاحية برمتها، وسيجعل المواطن أكثر عزوفا عن الانتخاب وبعيدا عن الاهتمام بتلك المؤسسة، ويضعها دوما تحت النقد.
وقبل أن يقول قائل إن النواب يستطيعون بأنفسهم تقوية مؤسستهم التشريعية والرقابية من خلال القيام بدورهم الذي نص عليه الدستور ورفض الضغوط التي قد يتعرضون لها، فإنني أعتقد أن هذا يبدو كلاما للاستهلاك فقط بما أن عملية الإصلاح السياسي غير مكتملة وطالما بقيت قوانين الانتخاب لدينا عرجاء تغلفها المناطقية والجغرافية، وبعيدة عما من شأنه إحداث تطور إصلاحي حقيقي، وطالما بقي عقل الدولة لا يعطي الأحزاب دورها الحقيقي في التشريع والحياة العامة، وطالما واصلنا التقدم خطوة في الإصلاح والعودة خطوتين، وطالما واصلنا وضع مؤسسة البرلمان تحت ضغط رغبات الحكومات وما تريده.
المطلوب أن نؤمن قولا وفعلا أننا بحاجة لبرلمان حقيقي فاعل، ومنحه دوره الدستوري، ورفع أي ضغط بأي شكل من الأشكال عنه، وعدم وضعه في (بوز مدفع) نقد الرأي العام، والتحطيب عليه أحيانا من قبل مؤسسات الدولة المختلفة.
أعتقد أن الحكومة الحالية عليها أن تتنبه لهذا الأمر، ومد اليد باتجاه تفعيل دور مجلس النواب وعدم خطف هذا الدور، ورفض وضعه تحت أي شكل من أشكال الضغط، ومنحه الحق في دراسة كافية لمشروع قانون ضريبة الدخل وإدخال التعديلات التي يراها مناسبة عليه، لاسيما وأن ما يرشح من تعديلات حكومية على مشروع القانون يبدو منطقيا ويمكن لمؤسسة البرلمان التعامل معه بشكل إيجابي.