لا جديد في السياسات الاقتصادية

من الواضح من ردود الافعال الرسمية على الأزمة الاقتصادية العالمية أن الحكومة – والبنك المركزي- لا يعتزمان إحداث تغيير في السياسات الاقتصادية المتبعة، فالموازنة العامة للدولة في خطابها الذي القاه وزير المالية تكاد تكون نسخة عن الموازنات السابقة مع اختلاف الارقام، ونحن لا نتحدث عن ثورة متوقعة ولكن يبدو ان نهج التفكير السائد لم يتفاعل بعد مع المتغيرات الجديدة.

اضافة اعلان

 ولن نختار جزئية العجز في الموازنة والجدل التقليدي حول العجز ما قبل وما بعد المساعدات، او غياب الإطار المالي للسنوات القليلة المقبلة، سنقفز الى موضوع اساسي هو النمو المتوقع خلال العام المقبل، وهو بحدود 5-6 في المائة، هذه النسبة من النمو تعتبر جيدة، لكن ما وراء هذه النسبة يعتبر أهم من النسبة ذاتها، فهل سيتحقق النمو في ذات القطاعات غير المولدة للعمالة للأردنيين، كيف سينعكس النمو على مستوى رفاه المواطنين، هل مصادر هذا النمو تعتمد على الطلب المحلي أم على الصادرات؟

باختصار ماذا عن نوعية النمو المتحقق وإلى اي مدى يستجيب هذا النمو مع الرغبة في إعادة هيلكة الاقتصاد الوطني. نقول هذا الكلام لأن بعض الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد، سواء على صعيد تركيبة الاقتصاد، مستوى الاستهلاك الى الناتج المحلي والمستوى المتدني للمدخرات، العجز في الميزان التجاري بسبب الارتفاع المتواصل في المستوردات.

 وما يرافق ذلك من مستويات الفقر والبطالة، كلها تعتبر مشاكل ملازمة لأداء الاقتصاد منذ بدء برنامج التصحيح مطلع التسعينات.

 ما الذي تغير مؤخرا حتى نعيد النظر في بعض البديهيات؟ عالميا فإن الأزمة المالية العالمية كشفت أن الاكتفاء بالارقام من دون الخوض في التفاصيل قد يخبئ الكثير من المشاكل، كذلك فإن نهج التركيز على تحقيق النمو لذاته غير مجدي، فهذا كان هدف بعض مؤسسات التمويل الدولية لإظهار نجاح بعض برامج الإقراض، لكن هذا تغير حتى قبل وقوع الأزمة، وعاد الحديث يتجدد عن قطاعات الاقتصاد الحقيقي المنتجة ودور الدولة في رسم السياسات الاقتصادية المواتية لتحقيق هذا النوع من النمو. إلى ذلك يتم ربط السياسة المالية بمجموعة من الأهداف بعيدة المدى.

 ولم تعد السياسة المالية فقط متعلقة بكيفية إدارة الموازنة وضبط حساباتها، فنجاح هذا العام بفضل المساعدات الخارجية لا يعني أننا حللنا الخلل الرئيسي المتمثل بزيادة الإنفاق العام وجمود بنوده، بل يعني نجاحا مرتبطا بعوامل خارجية قد تتغير ، في حين أن المشاكل القائمة سترحل معنا الى الأعوام المقبلة.

 والحال كذلك لم يكن غريبا تأكيد رئيس الوزراء أمام مجلس النواب بأننا سنعتمد على الاستثمار الأجنبي والقطاع الخاص والحرية الاقتصادية، وفي الحقيقة هذه ليست خيارات بقدر ما تعكس احتياجات الاقتصاد الأردني لمدخرات من الخارج بسبب الاستهلاك المفرط ، وهنا لا نطالب بفرض قيود على الاستهلاك بقدر ما نحتاج الى سياسة ضريبية تراعي هذا الوضع الشاذ الذي ينأى الجميع عن التعامل معه. هل نريد اللحاق بدول متقدمة، علينا إذا معرفة السياسة الضريبية في كوريا الجنوبية أو الدول الإسكندنافية على أصحاب البيوت الكبيرة والدخول المرتفعة وما يتبع ذلك من تساؤلات.

الموازنة العامة – الوثيقة الاقتصادية الأهم- ليست فقط حسابات عجز وفائض بل تعبير عن نهج اقتصادي من الواضح انه لا يعكس مجريات الأحداث ... ونسب النمو وحدها لم تعد مقياسا للنجاح.