لا جديد في عمان!

مرت خمسة أيام من المناقشات النيابية للبيان الحكومي اتسمت بالسمات التقليدية ذاتها، وعبرت عن أداء تقليدي ترسخ منذ أزيد من ربع قرن ولا جديد فيه حتى في حالات النزق والشذوذ، الأطروحات ذاتها والحجج والبراهين ذاتها، الأصوات الحادة المرتفعة والمطالب المحلية والخدمية وجرعة سياسية هنا وجرعة إيديولوجيا قديمة هناك، وفي المحصلة لا خروج على النص بالمعنيين السياسي والتاريخي.

اضافة اعلان

البيان الحكومي لم يكن مفاجئا ولم يعبر عن الرهانات التي يروج لها الإعلام، إلا في استخدام بعض المفاهيم الفكرية والسياسية التي ظهرت على شكل هيكل عظمي بدون لحم، ببساطة لأن آلية إعداد بيان الحكومة لنيل الثقة لم تتغير هي الأخرى وجرت على الوتيرة التقليدية نفسها. في الاجتماع الأول لمجلس الوزراء يتم تشكيل لجنة لإعداد هذا البيان، ويطلب من الوزراء كل في مجال اختصاصه إعداد الجزء الخاص بوزارته، والوزير بدوره يطلب من الأمناء الذين يطلبون من موظفيهم إعداد المطلوب وترسل كل وزارة ما لا يتجاوز صفحة. كبار الموظفين في الوزارات عادة ما يطلبون نسخة الحكومة السابقة حتى يحفظوا لأنفسهم هامشا من الأمان، بمعنى أنهم يكررون ما سبق وطرح ومر مع قليل من التعديلات، ثم تقوم اللجنة المعنية بإعادة صياغة ما جاء في الردود، دور مجلس الوزراء يقتصر على تبديل كلمة أو سطر مكان آخر.

لو ترك أمر إعداد البيان الحكومي للرئيس نفسه، ربما بل بالتأكيد سوف يكون الأمر أفضل، أو ربما لو حمل فريقه بحافلة وذهب بهم الى يوم عمل مع ليلة في أحد بيوت الشباب في القويسمة أو دير علا مثلا وعملوا معا على وضع فرضيات سياسية واقتصادية جديدة وبنقاش عميق كان من الممكن أن يخرجوا بوثيقة تاريخية. على فكرة؛ تاريخيا الحكومة لا تدير نقاشات داخلية عميقة حول السياسات خارج قاعة المجلس العتيدة.

لا شك أن الجيل السادس من نخب الدولة الأردنية أخذ بالدخول الى مؤسسات الدولة الى جانب طيف من النخب التقليدية من الأجيال السابقة، الى هذا الوقت الجيل الجديد يتشكل بالآليات التقليدية نفسها وعلى المسطرة نفسها باستثناءات محدودة، ولا جديد بهذا الشأن، هذا الجبل مخول أن يقود الأردن خلال 15 الى 20 عاما مقبلة، ومن المفترض أنه سوف يعمل في بيئة تتشكل هذه الأيام أيضا، وهي بيئة بالتأكيد جديدة لكن الجميع يذهب اليها بعدة وعتاد قديم.

من الفرضيات الرائجة هذه الأيام فرضية نهاية الدولة الريعية فكرا وممارسة، ما يعني أن على هذا الجيل تحويل فكرة "الاعتماد على الذات" إلى مسار حقيقي من السياسات والأفعال وتراكم المصالح، ولكن الى هذه اللحظة لا توجد ملامح واضحة أو أولية تقول إن المهمة في أمان.

إن الفرضية الغائبة هي أن الأردن بدأ يدخل فعليا في مرحلة وحيز "الدولة المعقدة". ثمة ماكينة كبيرة تشتغل ليل نهار على إنتاج السياسات وتسويقها وثمة فشل في تنفيذها، ثمة دوران هائل في العمل والأفكار بدون تقدم حقيقي؛ ظاهرة من التعقيد والتناقض وتعدد العوامل وتداخلها التي تحدد طريقة فهم الدولة والقوى الفاعلة فيها والقوى المؤثرة أيضا، فالدولة المعقدة قد تكون دولة صغيرة أو كبيرة، وهي قد تملك مؤسسات تبدو قوية ومتماسكة ومؤسسات أخرى ضعيفة ومترهلة، وقد تملك رؤية واضحة وعميقة في مجال ما بينما تعاني من غياب الرؤية والغموض في مجال آخر. قد تعاني من تهديدات تقليدية وتهديدات فوق تقليدية في الوقت نفسه، وفي الدولة المعقدة تبرز قوة الشعبوية الجديدة وتأثيرها العميق في صناعة السياسات وتشكيل النخب السياسية أيضا.

إلى هذا الوقت لا جديد في عمان، حتى الذي حدث في رمضان على الدوار الرابع ونتائجه، ما يزال من المبكر الحكم عليهما، المهمة صعبة ولكنها غير مستحيلة وبانتظار الجديد.