لا داعي للمعركة!

صدفة جمعتني بأحد النواب الذي بادرني بسؤال عن رأيي بشأن ما يجري وما الحل. فأجبته: الحل أن تتقدم باستقالتك لحفظ ماء الوجه. قال: بالطبع لا؛ لن أنسحب من المعركة! اضافة اعلان
فقلت له: "والله قدها"؛ أصلا الحكومة التي قدرها أن تخوض معركة معكم مولودة في ليلة قدر، ورئيسها "رضيّ والدين"، وربما تكون قد ربحت المعركة معكم كجائزة ترضية. حتى الوزراء كانوا، بين فترة وأخرى، يسافرون للنقاهة والترفيه، بينما الآن، وبعدما جاء هذا المجلس، لم يعد أحد منهم يسافر، إذ اكتفوا بالترفيه تحت القبة!
هل تعلم أنه إذا راجعت البلدية بمعاملة، فلا بد أن ترجع المعاملة عشر مرات؛ مرة من أجل الرسوم، ومرة من أجل الطوابع، ومرة لأن الموظف مجاز مرضيا، ومرة لاستكمال بعض الأوراق، ومرة لأن رئيس البلدية في جولة إشرافية... إلخ، بينما أي معاملة تدخل مجلس النواب؛ سواء كانت ثقة أو موازنة أو قانونا، فإن من المستحيل أن ترجع أو ترفض لأي سبب، بل تتم الموافقة عليها فورا؟ وهنا لا بد من كلمة حق: إنكم الوحيدون الذين تستحقون جائزة سرعة إنجاز المعاملات؛ فقد أصبح إصدار القانون في الأردن أسرع من إصدار هوية الأحوال!
سمعنا عن معركة في حفل خطوبة بسبب اتهام أهل العريس بالبخل، لأن الكنافة لم تكف المدعوين؛ وسمعنا عن معركة أمام أحد المخابز بسبب عدم التزام أحدهم الدور؛ وسمعنا عن معركة في أحد الباصات بسبب معاكسة أحد الشباب لفتاة... لكنها المرة الأولى التي أسمع فيها عن معركة بين طبيبين داخل غرفة العمليات!
يا تُرى، هل وضع أحد الأطباء يده على البنكرياس قبل الطبيب الآخر الذي قال له: "شيل إيدك أنا قبلك"، فرد عليه الأول: "مش شايلها"، فقال له: "شيل إيدك أحسنلك"، فأجابه: "مش شايلها"، فسحب الطبيب الأمعاء الغليظة للمريض وحاول خنق زميله، لولا تدخل كادر التمريض؟
يا ترى، هل البنكرياس هو السبب، أم أن أحدهم شخّص المريض على أنه بحاجة إلى عملية قلب مفتوح، وحين دخلوا إلى غرفة العمليات وجدوا أن القلب ممتاز بينما المريض يعاني فقط التهاب المرارة، فوجّه له الطبيب الآخر اتهاما بأن تشخيصه خاطئ، فقال له الأول: "لا، أنت أعمى؛ شوف القلب تعبان"، فرد عليه: "عمى يعميك؛ القلب شغال، شوف المرارة كيف ملتهبة"، فقال له: "أنا العمى يعميني؟!"، ثم ضربه بوحدة دم كانت مجهزة للمريض، فرد الآخر بأن سحب إحدى كليتي المريض وضربه بها! قد يكون هذا السبب؛ أو أنه بعد انتهاء العملية وتقطيب المريض، وجدوا أنهم نسوا الشاش داخل جسم المريض، فقال أحدهما: "ارجع هات الشاش"، فرد الآخر: "مش راجع؛ بذوب لحاله"، فهدده الأول بأنه إن لم يرجع فسيضع رأسه في معدة المريض. هنا تدخل طبيب التخدير واتصل مع "911" بعد أن أشهرا المشارط في وجهي بعضهما!
أجمل ما في هذه المعركة أنها بدأت، واستُخدمت فيها المشارط وربما الكلى. وذهب الطبيبان إلى المركز الأمني حيث تم توقيفهما، ثم تمت محاكمتهما، بينما المريض لم يشعر بعد بأي شيء؛ فقد يكون تحت التخدير!
معركة النائب المزعومة مع الحكومة تشبه المعركة السابقة تماما. فصدقني؛ لا تحارب ولا تتعب  بالك، المواطن أصبح بحكم الميت ولم يعد يشعر بشيء!