لا شيء يسير على ما يرام في طهران

مصرف إيراني أغلق أبوابه بسبب الأزمة التي خلفتها العقوبات - (أرشيفية)
مصرف إيراني أغلق أبوابه بسبب الأزمة التي خلفتها العقوبات - (أرشيفية)

برنار غيتا – (لبيراسيون)
 ترجمة: مدني قصري
ثمة مفهوم خاطئ يقول أن القادة الإيرانيين يعانون من الزيف: فمنذ فشل الحصار الأميركي في إسقاط فيديل كاسترو، والإجماع في الآراء يقول إن العقوبات الاقتصادية لا تفيد شيئا. لكننا ننسى هنا أن الدعم السوفياتي وحده هو الذي أتاح للنظام الكوبي البقاء، وأن هذه العقوبات هي التي ترغمه اليوم على السعي إلى التطور، وأننا مدينون لهذه العقوبات بوضع نهاية لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وأنها هي التي أجبرت مؤخرا مؤسسة بورما العسكرية على الانفتاح.اضافة اعلان
وعلى العكس من ذلك، العقوبات الاقتصادية، توجد لهذه الأسلحة البطيئة من الفعالية ما جعل العملة الإيرانية تفقد 60 ٪ من قيمتها مقابل الدولار منذ نهاية العام الماضي، وهو ما جعل انهيارها منذ نهاية العام الماضي يتسارع يوما بعد يوم. وقد أصبح الإيرانيون، أفراداً ومؤسسات، يستغنون الآن عن ريالهم لأنها لم تعد لديهم ثقة في اقتصادهم الذي تضربه اليوم تشكيلة من العقوبات الدولية، والأميركية والأوروبية.
لم تعد الجمهورية الإسلامية تجد مصارف ومؤسسات أجنبية لضمان تبادلاتها التجارية الخارجية. ولم تعد تستطيع الآن أن تتزود بأي شيء، ولا حتى بقطع الغيار، من دون اللجوء إلى متاهات السوق السوداء المكلفة. وهي تعاني اليوم أكثر فأكثر في تسويق بترولها  الذي تغطي إيراداته ما يقرب من نصف ميزانيتها. ومن سنة إلى أخرى، ما انفكت صادراتها من النفط الخام تنخفض بمقدار الثلثين في أوائل الصيف، ولا شك أن هذا الاختلال القاسي في التوازن يزداد وطأة على النظام الإيراني، لا سيما وأن هذا الاختلال الذي يلزم إيران بتمويل وتسليح النظام السوري الذي بات سقوطه وشيكا، يؤدي بإيران في النهاية إلى عزلة كاملة في الشرق الأوسط.
وهكذا، وفيما بين هذه المسؤولية الجديدة والعقوبات الدولية، فإنه لا شيء يسير على ما يرام في طهران. فالتجار ورجال الأعمال يشهدون تقلصا ملحوظا في عائداتهم. والطبقات الوسطى لم تعد قادرة على الاستهلاك ولا على السفر. والرواتب صارت تتأخر كثيرا، وهو ما يسبب استياء اجتماعيا يثير احتجاجات جماعية واسعة باتت تقلق حتى القادة المحافظين. وقد بدأت أسعار المواد الغذائية ترتفع ارتفاعا مخيفا بسبب  التضخم الذي يقدر رسميا عند 22 ٪، ويقدره التجار العارضون في الأسواق بنسبة 50 ٪، وهي الأسعار التي يجمع الكثيرون على أنها لا تخضع لأي مراقبة، لأن آلة صك الأوراق النقدية تشتغل بكامل طاقتها.
وقد بلغ الوضع من الخطورة ما جعل المرشد الأعلى، علي خامنئي، زعيم المؤسسة الدينية العليا الذي يترأس الدولة ويشكل شخصية النظام الأولى، يتحدث اليوم عن الحاجة إلى بناء "اقتصاد مقاومة"، أي تنظيم التقشف. وهكذا، ومن الناحية الاقتصادية، بات النظام في حالة يائسة، والعواقب بثلاثة أضعافها.
أما إمكانية أن يأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بقصف مواقع نووية إيرانية، فهو أمر بات مستبعدا إلى حد كبير، لأن هذه المصاعب التي يعاني منها رجال الدين هي التي تتيح لنتنياهو أن يكون أقل اندفاعا للدخول في الحرب ضد إيران. ومنذ أن فهم نتنياهو أن باراك أوباما لن يرضخ لضغوطه، وأن فرص انهزامه أمام منافسه ميت رومني باتت تتراجع، صار أكثر رئيس حكومة إسرائيلية يمينية تطرفا، يقول من خلال وزرائه إن إيران "على وشك الإفلاس"، ويُفهم من هنا أن اللجوء إلى السلاح بات أمرا أقل ترجيحاً من ذي قبل.
وعلى هذا النحو، ستكون الولايات المتحدة وأوروبا قادرتين على إعطاء مزيد من الوقت، وعلى زيادة الضغوط الاقتصادية، وعلى مراقبة الآثار السياسية التي بدأت تظهر بصورة ملموسة في قمة السلطة الدينية في إيران. واليوم، بات الرئيس الحالي محمد أحمدي نجاد الذي حظي في السابق برعاية المرشد، والذي تنتهي ولايته في حزيران (يونيو)، والذي يحظر الدستور حصوله على عهدة ثالثة، بات يفقد اليوم كل حظوته، وتوقيف مستشاره الصحفي خير دليل على ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن المحافظين الذين يطمعون في وراثته باتوا ينهشون بعضهم البعض. ومن إشارات ارتباك هذا النظام أن رئيس الجمهورية السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي تعرض للتهميش لأنه أظهر تعاطفا إزاء المظاهرات الديمقراطية في صيف العام 2009، يعود اليوم إلى مقدمة المشهد السياسي. وقد رآه الناس جالسا جنبا إلى جنب مع المرشد أثناء انعقاد قمة حركة عدم الانحياز الذي في شهر آب (أغسطس) في طهران. وإذا دعت الضرورة إلى ذلك، فقد يصبح هذا رفسنجاني رجل الانفتاح السياسي، ورجل المرونة حول الملف النووي. أما في الوقت الراهن، وحتى لا يُمنَح من الحرية أكثر مما يحق له، فقد أودع ابنُه البكر وابنته، المعارضان السياسيّان، في السجن.
الآن، يبدو النظام الإيراني وكأنه لم يعد يعرف في أي طريق يسير. وسوف تتزايد لاشعبيته من دون أن تكون له الوسائل الاقتصادية، ولا السياسية لكبح تنامي فقدانه الشعبية. وقد يؤدي تفاقم التوترات الاجتماعية الآن إلى عودة الاحتجاجات التي قامت قبل ثلاث سنوات مضت. وعندئذ، سيصبح بشار الأسد وحيدا أمام الانتفاضة السورية.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:
 Rien ne va plus à Téhéran