لا قيامة في الأمم المتحدة

لن تقوم القيامة في الأمم المتحدة، ولن ترتفع الحناجر لتصل إلى السماء حول طاولات مجلس الأمن العتيد؛ كل ما هناك يوم جديد-قديم من الأيام الفلسطينية الطويلة، يكرر الأحداث والتواريخ ذاتها، فيما سيتسلل رئيس السلطة الفلسطينية من الباب الخلفي متوجها إلى الجمعية العامة ليأخذ صفة رمزية لكيان على ورق مروس بالشعار الأممي الأزرق الذي لن يقدم ولن يؤخر.اضافة اعلان
لن تقوم قيامة فلسطينية بين نيوريوك وواشنطن، هذا ما وصل إليه الجيل الثالث من أبناء  القضية، لكن للمرة الألف أخطأوا العنوان. الجيل الحالي الذي يفترض أنه قد حان وقت رحيله، وضع كل ما لديه من فائض السياسة والمقاومة في السلة الأميركية سرا وعلنا، سيرا على هدي المقولة الساداتية الشهيرة بأن 99 % من أوراق الحل لدى الولايات المتحدة، بينما يؤكد خطاب أوباما الأخير في الأمم المتحدة أن العرب لا يملكون حتى الواحد بالمائة من التأثير في صانع القرار الأميركي. فكما وصفت الصحافة الإسرائيلية الرئيس أوباما، بكل تقدير وإعجاب، بسفير إسرائيل في الأمم المتحدة، فقد حسم أمر الدولة الأممية مبكرا، وبدا واضحا أن على الفلسطينيين الكف عن أوهامهم الأممية والعودة من القفز في الهواء إلى الأرض، والبحث عن تغيير قواعد اللعبة على الأرض الفلسطينية ذاتها.
هنا، يكتشف الفلسطينيون بعد زهاء عقدين من اللعب بأعصابهم السياسية التالفة، أن وهم الدولة والتسوية على الطريقة الأميركية ذهب بدون رجعة، وحان الوقت لفرض قواعد جديدة لإعادة تركيب الصراع على حقائق رياح الثورات العربية، وقيامة الفلسطينيين أنفسهم في الأرض المحتلة والشتات، حيث على العالم أن ينتظر انفجارها منذ اليوم.
من المنتظر أن تذهب قيادة السلطة بعد الحصول على صفة مراقب، ووفق الترتيبات التي تجري حاليا وبوساطة فرنسية، إلى شكل جديد من المفاوضات التي ستقوم على فرضية الهدنة الطويلة. لكن، هل ستصمد هذه الترتيبات وفق المنهج الذي اتبع وتكرر على مدى عقدين في عهدة نموذج أوسلو؟ العديد من المؤشرات لا تؤيد هذه الفرضية، فثمة قلق فلسطيني وشعبي عربي سينتقل قريبا إلى طرح خطوط وقواعد جديدة لإعادة تسخين الصراع، وسط المتغيرات المتسارعة واحتمالات تصاعد ظهور أنظمة سياسية جديدة ذات قيم سياسية لم تعهدها المنطقة، واستعداد المجتمعات لدفع تضحيات قاسية؛ فمئات الآلاف من الضحايا الذين دفعوا على الجبهات العراقية، وعشرات الآلاف الذين سقطوا ثمنا للحرية في ليبيا واليمن وسورية، تعني الكثير للفلسطينيين، وتعني أيضا الكثير للشعوب العربية.
يتأكد أمام الجميع أن فكرة الاستقرار الهش في الشرق الأوسط لا تخدم سوى مشروع التصفية وليس مشروع التسوية، وأن مسألة وصول هذا الخبر إلى قناعة المجتمعات ووعيها قد حسمت عمليا، وأن المجتمعات التي تدير التغيير في شوارع القاهرة وتونس وصنعاء ودمشق سوف تفرغ قريبا للعودة للسؤال المركزي وللصراع المركزي، ما يعني عمليا بداية الانعتاق من عقيدة الاستقرار السلبي التي باعها التضليل الاستراتيجي للشعوب العربية على مدى عقود، ولم تخدم عمليا سوى مشروع واحد هو مشروع تصفية الصراع بدون دفع ثمن الصراع وكلفة التصفية ذاتها، وهو ما تفعله إسرائيل اليوم.