"لا".. كلمة تحبط الآخرين وتفسد العلاقات

استخدام كلمة "لا" بشكل خاطئ قد يُفسد علاقاتنا بالآخرين وينفّرهم  - (أرشيفية)
استخدام كلمة "لا" بشكل خاطئ قد يُفسد علاقاتنا بالآخرين وينفّرهم - (أرشيفية)

منى أبو صبح

عمان- لم تستطع ريهام جابر (36 عاما) تغيير طباع زوجها في إطلاق كلمة "لا" سريعا قبل درايته ومعرفته الكاملة بالأمر المطروح، رغم محاولاتها المتعددة في استخدام أساليب متنوعة ومتعددة في الحوار.

اضافة اعلان

تقول "الرفض بكلمة "لا" وسيلة سهلة وسائغة على لسان زوجي في تعامله مع الآخرين، وقد تسبب لنا العديد من المشاكل مع المقربين والأصدقاء. فعندما اقترح عليه شقيقه أحد المشاريع لتحسين أوضاعنا المادية أنهى الحديث معه في الحال، بكلمة "لا"، من دون الإصغاء لتفاصيل المشروع ومؤشرات نجاحه".
وتضيف "من حق الإنسان أن يرفض الشيء الذي لا يعجبه سماعه، أو يروق له، لكن بإمكانه أن يعبّر عن رفضه بكلمات لبقة توحي بعدم الاستجابة للمطلب، بدون إزعاج المتحدث، أو إحراجه أمام الحاضرين".
جرت العادة أن يُظهر الأشخاص رفضهم لأي قرار، أو سلوك من الآخرين، بإطلاق كلمة "لا"، يقولونها بصوت عالٍ أو يصرخون بها أحيانا. ولها تأثير ووقع على الآذان وفي النفوس، حتى وإن كان قائلها على حق. فمن الممكن قول كلمة "لا"، ولكن بطريقة لبقة وذكية تجعل متلقيها يتقبل الفكرة ويستسيغها.
يقول الخمسيني أبوفراس، من واقع تجربته في الحياة "من السهل قول كلمة "لا"، فسواء قيلت بهدوء أو بصوت عالٍ، فإن وقعها على الآخر واحد، وهو الشعور بعدم التقدير والاحترام من قبل قائلها تجاه ما هو مطروح عليه، ووجود اختلاف كبير في وجهات النظر".
ويشير أبوفراس إلى أن كلمة "لا" قد تهزّ العلاقة الزوجية، فمن الأفضل قولها في الأمور التي تستحقها، أما الأمور البسيطة فيفترض أن يجري النقاش والحوار حولها، قبل البوح بكلمة "لا". ويفضل أن يُرفض الاقتراح بشيء من اللياقة، كأن يُعبّر الرافض عن الأسف لعدم مقدرته على تلبية الطلب، ويعِد بالتفكير في الأمر لاحقا، حرصا منه على مشاعر الآخر.
يبين الاختصاصي النفسي، د.خليل أبوزناد، أن استخدام كلمة "لا" بشكل خاطئ قد يُفسد علاقاتنا بالآخرين، وينفّرهم منا. أما قول "لا" بطريقة صحيحة فأمرٌ حيوي ومطلوب، سواء كان في العمل أو البيت، حفاظا على علاقاتنا مع الآخرين.
ويلفت إلى أن هناك العديد من الأساليب التي يستطيع الإنسان التعبير عنها بالرفض، من دون استخدام كلمة "لا". كما يستطيع المرء أن يقدّم سببا أو تبريرا لرفضه، وبذلك يستطيع إقناع الطرف الآخر بحججه.
هناك طرق مختلفة لقول كلمة "لا". فمن الناس من يطلقها بطريقة عنيفة، وكأنه يستعد لمعركة ما، وهنا يبدأ الجدل والخلاف. وقد يحدث ذلك مع الأصدقاء، أو في داخل الأسرة. لذلك يجب على من يقول "لا" أن يُصغي جيدا لما يقال له، قبل أن يعبّر عن رأيه بطريقة فظة لا يستسيغها الآخرون. ناهيك عن أن لهذه الكلمة أثرا سلبيا كبيرا في نفوس الأبناء، فالأبناء في هذه الحالة سينتهجون سلوك الآباء ويقلدونهم فتصبح كلمة "لا" سلوكا عاديا في حياتهم اليومية.
وتنزعج الطالبة الجامعية فاتن علي، من الأشخاص الذين يبادرون بقول كلمة "لا" لمجرد سماعهم كلاما لا يحظى بقبولهم، وهو ما يجعلها تشعر وكأن صاعقة كبرى قد وقعت عليها على حين غرة.
فهي تذكر أحد المواقف التي مرت بها، قائلة "خططت وزميلاتي في الجامعة للقيام بورشة عمل لمدة ثلاثة أيام. وبعد مشاورات واقتراحات عدة قدّمنا الفكرة لمكتب شؤون الطلبة، وكانت الإجابة بكلمة "لا"، من دون سماعها لمحاور الورشة، وخطتها والهدف من ورائها. ولم أستطع حينها تمالك أعصابي فصرخت بصوت عال (الله خلق لنا أذنين اثنتين لنسمع، ولسانا واحدا لنتكلم)، فكيف نجيب بكلمة "لا" من دون أن نصغي؟".
وكذلك الحال مع الطفل عمر الزعبي (13 عاما) الذي عبّر عن استيائه من كلمة "لا" بقوله: "كلما أردت الخروج مع أصدقائي تجيبني والدتي بكلمة (لا) على الفور. وإن طلبت من والدي شراء هاتف نقال، مثل زملائي أجابني في كل مرة بـ(لا!)".
ويضيف "إذا كنتُ مخطئا في ما أطلبه من والديّ، فإني أتمنى منهما عدم المبالغة في الرد على طلباتي بالرفض القاطع والصراخ، وكأن طلباتي محرمة. فلست أعلم حتى الآن لماذا يرفض والداي مشاركتي في الرحلات المدرسية، والغريب أنني عندما أسألهما عن السبب يجيبان دائما بالعبارة ذاتها: "لا يعني لا"".
يشير استشاري الاجتماع الأسري، مفيد سرحان، إلى أن للتعامل مع الناس أصولا وفنونا، ووسائل متعددة، لكي يتمكن الإنسان من إيصال رسالته أو رأيه للآخرين ويؤثر فيهم؛ إذ عليه أن يختار الأسلوب الأمثل، الذي يتناسب والموضوع وطبيعة الشخص المخاطَب، ونفسيته، وعمره ووضعه الاجتماعي، وطبيعة العلاقة التي تربطه بهذا الشخص.
ويلفت إلى أن الكثير من الناس لا يختارون الأسلوب المناسب، بسبب ضعف الخبرة، وقلة الدراية بالآخرين، وعدم تقدير الموقف وأثره السلبي على الآخرين.
ويضيف "في حين أن بإمكان الشخص المتحدث أن يوصل رسالته بطريقة أخرى، كأن يناقش الطرف الآخر في الموضوع، ويقترح عليه بدائل قد يقتنع بها في النهاية. فهذه الطريقة غالبا ما يكون وقعها أقل إحباطا على نفس السامع، وهي توصل المعنى نفسه، وتؤدي الغرض نفسه، لكنها تشعر الآخر بالاحترام والتقدير لما يطرحه، ولا تترك أثرا سلبيا في نفسه.
وهذا الأسلوب مطلوب اتباعه مع الجميع، ولا بد من تدريب الصغار عليه، وفق سرحان، وإن كنا في بعض الأحيان لا نجد مع بعض الأشخاص، بديلا عن كلمة "لا" نقولها صراحة، لخطورة الموقف وإلحاحه، أو لتقديرنا أن الآخر لا يقدّر أسلوبنا في التعامل معه. لكن يبقى أن الأسلوب الحسن في التعامل مع الآخرين يجعلهم يثقون فيما نقول، ويُكسبنا قدرة أكبر على التأثير فيهم، وإقناعهم بآرائنا ومقترحاتنا، ولاسيما إن كان التعامل مع من تربطنا بهم علاقات دائمة ومتواصلة؛ كالزوجة والأبناء، وزملاء العمل.

[email protected]