لا للمسار العشائري

نتوجه بأحر تعزية لذوي الشاب الملازم عبدالله الدعجة، ذي الاثنين والعشرين ربيعا، والخريج حديثا من جامعة مؤتة. ومع تقديرنا لمشاعر الغضب بين أهله، فإننا نأمل أن لا تكون هناك أي مطالبة عشائرية تجاه أي طرف آخر، وعدم الدخول في مسار الجاهات والعطوات والصلح بأي شروط، حتى لو تبين من هو الجاني المباشر ومن هم أهله، بل الإصرار فقط على أن يأخذ القانون مجراه، مع عدم التنازل عن الحق الشخصي، وعدم التهاون بالحق العام.اضافة اعلان
إن الملازم الدعجة هو بالأصل ضحية الفزعات العشائرية العمياء، التي تذهب حد التطاول على القانون والنظام العام. فالذين فزعوا لإطلاق سراح أحد معتقلي عملية الكمالية، كانوا عمليا يريدون تعطيل الحق العام، وإخراج رجلهم "خاوة"، وهو متهم بالاشتراك مع "عصابة" تقوم بتهريب السلاح وتقاوم الأمن بإطلاق النار، ولم يكن هناك أي أساس أو مبرر للهجوم على مركز أمن الموقر ومرتبه الذين لا شأن لهم بالحادث، فيتم تدمير وحرق المرافق والآليات، وإصابة أفراد الشرطة بالنار.
ولأننا نعاني بصورة متزايدة من هذا التدهور المطرد في مكانة الحق والقانون والمؤسسات لصالح الاستقواء العشائري خلف المصالح الخاصة والفئوية، بل والخروج على القانون وابتزاز الدولة في المكاسب والامتيازات وغير ذلك، فإن الخطوة الأولى ممن وقع ضحية هذا السلوك هو العودة إلى التمسك بالقانون، وعدم القبول بإدخال المسار العشائري في هذا، وإعطاء النموذج والقدوة في الفصل بين المستويين العشائري والقانوني في قضايا الأمن والدولة.
في قضايا الاعتداء على الدولة، فإن الجناة والخارجين على القانون هم طرف والدولة طرف، وليس أبدا عشيرتا الطرفين الجاني والمجني عليه. وإن تكريس هيبة الدولة وسيادة القانون يقضي بتقليص البعد العشائري في هذه القضايا إلى الحد الأدنى. وقد كنا ننظر بعين القلق وعدم الرضا لإقحام الأساليب والأعراف العشائرية في القضايا التي يكون الأمن طرفا فيها، لدرجة أن يأخذ الأمن عطوة عندما يتسبب بأذى أو وفاة، والأمن لا يفعل ذلك دائما، بل عندما يكون هناك فزعة عشائرية مقابلة. وبذلك، يسهم الأمن في تكريس وتشجيع ردود الفعل العشائرية الاستقوائية على الأمن والنظام.
نعرف جيدا مكانة الأعراف العشائرية والتقاليد في تأمين الأمن والسلم الاجتماعي، وحفظ الكرامات ومداراة المشاعر وردود الفعل الانتقامية أو الثارات، لكن إقحام هذه التقاليد في كل شيء، بما في ذلك حوادث السير، هو تماد غير معقول، وليس له أي أثر إيجابي، بل العكس. وقد عاينا وعانينا من هذه الظاهرة، حتى أصبح معروفا أن "راسمال أكبر شنب" يذهب في حادث سير هو فنجان قهوة. وقد رأينا كيف تسللت الفزعات العشائرية العمياء والعنيفة الى الجامعات، فخربت البيئة الطلابية فوق ما هي عليه من تخلف وبؤس.
الإصلاح الاجتماعي ليس مفصولا أبدا عن الإصلاح السياسي الهادف إلى تكريس سلطة القانون، والمؤسسية، والمواطنة المتساوية، ونظام مكفول للحقوق والواجبات.