"لا مصالحة مع العلمانيين"

يثير تصريح وزير داخلية حكومة "حماس"، فتحي حماد، في احتفال تخريج دفعة من الشرطة في غزة، الأسبوع الماضي، الخوف والاستغراب؛ إذ قال: "لا صلح مع العلمانية، والصلح أولا مع الله ثم مع الجهاد ثم مع المقاومة ثم مع الشعب ثم مع الشهداء". وأضاف: "لا صلح مع العلمانيين".اضافة اعلان
من حيث التوقيت، جاء التصريح عشية الانتخابات الرئاسية المصرية، ما يقدم لأنصار منافس مرشح الإخوان المسلمين، حزب حماد، فرصة لتأكيد هواجس غير الإخوان. والخطر أيضا في توقيت التصريح أنه قيل أثناء حفل تخريج قوات أمن. فطوال عقود، قيل لنا إن التعذيب والإعدامات بحق الإخوان في السجون المصرية هو سبب تطرف وعنف جماعات إسلامية ضد المجتمع والنظام (اصطف بعضهم الآن مع مرشح النظام السابق أحمد شفيق في الانتخابات المصرية). ولكن النظرية الثانية هي أن الشعور بالقوة والسلطة مدخل آخر للتطرف، وهذا ما يؤكده تصريح حماد وهو يقوم بتخريج ضباط أمن. فرغم أنها سلطة وهمية أو محدودة، وعلى جزء صغير من فلسطين، إلا أن وزير الداخلية الإخواني لا يمانع بإعلان الحرب على القوى الأخرى؛ فما الذي سيكون عليه الأمر إذا قامت دولة حقيقية؟
ومن حيث التوقيت أيضاً، تأتي التصريحات بعد دعوة محمد مرسي، الذي يؤكد الإخوان فوزه برئاسة مصر، باقي القوى لأن تكوّن معه "تيارا ليبراليا حقيقيا".
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، ولنفي أنباء عن خلافات داخل "حماس"، رد رئيس الوزراء إسماعيل هنية، أنّ "هذه الحركة الربانية واحدة موحدة". وقال إن "الوحدة الداخلية شرع ودين، ولا خروج عنها". والسؤال الأول هنا: ما الذي تعنيه الحركة الربانية؟ وثانيا: هل الوحدة الداخلية حق للحركة أو الحزب، بينما ينطبق منطق حماد على بقية قطاعات الشعب؟!
قبل التعليق على محتوى تصريح حماد، لا بد من التنويه إلى أن كثيرا من خصوم "حماس" لا يستحقون وصف العلمانيين؛ فمع الكثير من الخلل في الأداء، والشخصانية، والمصالح الخاصة، وعدم حسم قضايا الفساد، يصبح التصنيف الأيديولوجي عبثا، ولو وجد مثل هؤلاء العلمانيين لربما عرفوا كيف يجادلون حماد. والأهم أنه في ظل الاحتلال، وقبل قيام الدولة المستقلة، لا يوجد مكان أصلا لجدل العلمانية والثيوقراطية.
إما أن حماد لا يعرف معنى العلمانية، أو أنه يتعمد تقديم تعريف مشوه لها. فالدولة المدنية التي يتحدث عنها إخوان مصر علمانية، إلا إذا فجاؤونا بتعريف جديد. ويعلم كثير من الإسلاميين أن العلمانية ليست نقيضا للإيمان، وليست كفرا، وأنّ المتدين قد يكون علمانيا بامتياز. والعلمانية إذا ما استثنينا نماذج متطرفة، تعني فصل رجال الدين عن الحكم، أي أن لا يكون القرار حقا إلهيا بيد شخص يدّعي سلطة التشريع، أو يدّعي علما لا جدال ولا نقاش فيه. وفي الحالة العربية والإسلامية، فإن الحاكم إنسان عادي يحاسب ويناقش، والبرلمان سواء كان فيه الإسلاميون أو غيرهم هو الذي يصل للقوانين، ولا يمكن منع النائب أو المناضل من الانطلاق من أسس فكرية دينية، ولا يوجد ما يمنع دارس العلم الشرعي من أن يكون سياسيا. ولكن لا يخضع الشعب لفقيه كما في إيران، أو هيئة علماء ذات سلطة لا تُناقش وتنقض سواها، كالتي طرحها "إخوان" مصر قبل أعوام وتراجعوا عنها، حتى الآن.
تتبنى "حماس" سياسات علمانية، حتى يصل الأمر الخصومة على السلطة الزائفة، والعلاقة مع الآخرين. فالخطاب الديني لم يمنع في الماضي تحالفات مع من يزعمون العلمانية، مثل النظام البعثي في سورية، والعلاقة مع قطر، ومع أي نظام مصري مهما كانت هويته. هذه سياسات وطنية تعلي الاعتبارات والمصالح والموازنات الواقعية السياسية.
الخطر أيضاً في تصريح وزير داخلية "حماس" ربطه بين العداء للعلمانيين وبين الشهداء والمقاومة والشعب في جملة واحدة، كأنّ العلمانية كفرٌ وتناقضٌ مع المقاومة وخروجٌ على صف الشعب، متناسيا أن اليسار والعلمانيين المتدينين وغير المتدينين، هم من كانوا رواد الكفاح المسلح.
تصريحات حماد وهنية ضد العلمانية وحول الحكومات والحركات الربانية، هي الغطاء التقليدي للقمع باسم الدين، وإقصاء الآخرين، وفي مواقعهم الحالية تحتاج توضيحا وتفسيرا.

[email protected]