لبنان.. عيد الأضحى بطعم الدجاج

thumbs_b_c_11dce7cc8a4ebdaef88e3c56bc78d9fa
thumbs_b_c_11dce7cc8a4ebdaef88e3c56bc78d9fa
بيروت- يحل عيد الأضحى على اللبنانيين، في ذروة أزمتهم الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية والسياسية التي باتت تبلغ منعطفات خطرة، لاسيما بعد تبدد آمالهم بقرب تأليف حكومة إنقاذ تقود عملية الإصلاح والنهوض بالبلاد، فيما تتوسع رقعة الفوضى على وقع الانهيار المالي المستمر، والذي وصل بسعر الصرف ليبلغ 23 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، ومعه ارتفعت أسعار اللحوم والمواشي بنسب خيالية فاقت قدرة اللبنانيين على شرائه. الأمر انعكس على ممارسة اللبنانيين المسلمين لشعيرة "النحر" أو "التضحية" التي يقيمها المسلمون حول العالم بمناسبة عيد الأضحى، لعجزهم عن تحمل تكلفة "الأضاحي" أو المواشي، تلحق بسعر الدولار في قفزاته الكبيرة صعوداً. عيد الأضحى.. بطعم الدجاج! إنه العام الأول الذي تعجز فيه عائلة مهى الرفاعي، 31 عاماً، عن التضحية في "العيد الكبير". حتى في أصعب الظروف التي مرت على لبنان كانت عائلة مهى من العائلات المعروفة في بعلبك بتوزيعها للحم مجاناً على فقراء المدينة. تلفت مهى في حديثها مع موقع "الحرة" إلى أن العائلة "ألغت اللحوم الحمراء عن مائدة العيد، واستبدلته بالدجاج هذا العام، ليس لأنه رخيص، فالدجاج هو الآخر قفز بأسعاره، ولكنه أقل تكلفة من لحم البقر أو الغنم بكثير، وبالإمكان تأمين كمية كافية لعدد أفراد العائلة الكبيرة، نحو 16 شخصاً، فشراء لحم أحمر لهذا العدد بات يكلف ثروة بكل معنى الكلمة". الأمر نفسه بالنسبة إلى شريف، 36 عاماً، الذي اعتاد في عيد الأضحى من كل عام، أن ينحر خروفاً ليكون "فداءً عنه وعن أولاده" وفق ما يقول لموقع "الحرة". ويضيف "كنا قبل العام 2019 نخصص خروفاً أو اثنين للتضحية حسب قدرتنا، ونوزع كل اللحم على فقراء البلدة، في العام الماضي ومع تدهور الأسعار واستفحال الأزمة، وزعنا قسما من اللحم لنحافظ على تقاليد عائلتنا وعاداتها في العيد، واحتفظنا بالقسم الآخر لنلبي حاجتنا". وواصل حديثه قائلا: "هذا العام كان مختلفاً جداً، تقاسمنا أنا وإخوتي الأربعة وصهر العائلة تكلفة شراء خروف واحد لنضحي به بالشراكة فيما بيننا ووزعنا اللحم على بيوتنا، هكذا تدهورت قدرتنا المادية وارتفعت أسعار اللحوم، ونقول الحمد لله وضعنا أفضل من غيرنا وما زلنا قادرين على التضحية". يرصد محمد طعان هذه الظاهرة من خلال عمله، كصاحب ملاحم ومزارع للمواشي في منطقة الشويفات جنوب العاصمة بيروت، ويشير إلى أن هذه الحالة باتت عامة ومنتشرة حيث يتشارك أكثر من شخص لشراء خروف واحد للتضحية به في العيد، "حتى أن هذا الوضع يقتصر على ميسوري الحال القادرين على دفع مليون ليرة او أكثر بالشراكة، أما المحتاجين والفقراء، فلم نعد نراهم قرب الملاحم". خروف بالملايين ويتراوح اليوم سعر الكيلوغرام الواحد من وزن الخروف الحي، ما بين 4 دولار و4.2 دولار، وفقا لطعان، وبالتالي "يختلف سعر الخروف الواحد بحسب وزنه وطلب كل زبون، فكلفة خروف 50 كلغ، نحو 200 دولار ما يساوي بالليرة اللبنانية 4 ملايين و600 ألف ليرة." ويبلغ الحد الأدنى للأجور في لبنان 675 ألف ليرة. كانت تساوي قبل الانهيار المالي ٤٥٠ دولار بحسب سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة لكل دولار)، أما اليوم فهي تساوي 30 دولارا فقط وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء. وفيما لم تعدل الدولة اللبنانية بعد أجور موظفيها والحد الأدنى للأجور، ليتناسب مع سعر صرف الدولار الجديد، فإن القدرة الشرائية للبنانيين لا تزال تحتسب على سعر الصرف الرسمي، ما يعني أن خروفاً بقيمة ٥ ملايين ليرة يساوي نحو 3300 دولار بالنسبة للقدرة الشرائية لأجور. ويبلغ سعر لحم البقر 200 ألف ليرة لبنانية، فيما يصل سعر لحم الغنم إلى 250 ألفاً، أي أن الحد الأدنى للأجور يساوي 3 كلغ من اللحم في الشهر. حتى اللحم المبرد والمستورد الذي يقل سعره عادة عن اللحم الطازج، بات اليوم صعب المنال حيث يتراوح سعره بين 4و 7 دولارات لكل كلغ واحد، ويصل إلى الزبائن مضافاً عليه الأرباح ليبلغ سعره نحو 150 ألف ليرة. يقول طعان إن "آثار الأزمة اليوم واضحة علنا خلال العيد، من كان يطلب خروفاً وزنه 80 و90 كلغ بات يطلب بوزن 40، ومن كان يحجز 5 كلغ من اللحم في الأعوام الماضية بات يطلب كلغ واحد أو اثنين، خف الإقبال كثيرا على شراء اللحم، وتراجع بيع اللحوم بنحو 75في المئة، كنا نذبح يومياً 4 أو 5 عجول، اليوم نذبح عجلاً واحد ويبقى منه، الناس لم تعد تأكل لحماً للأسف". المغتربون يحركون السوق بـ "مساعدات العيد" "من يشتري اليوم، هو من يملك مصدراً للدولار فقط لا غير، لا أحد ممن يتقاضى أجره بالليرة اللبنانية قادر على شراء خروف يتخطى سعره راتب شهرين بأحسن الأحوال وست مرات الحد الأدنى للأجور"، بحسب طعان ويضيف "السوق تتحرك اليوم بسبب المغتربين، الذين إما يزورون لبنان لتمضية عطلة العيد والسياحة الصيفية، وإما يرسلون أموالهم من الخارج لعائلاتهم أو أقاربهم في لبنان، كي يضحوا داخل البلاد كنوع من المساعدة، وهناك فئة من الذين جمعوا مالاً للحج، فكانت المناسك محددة العدد هذا العام بسب جائحة كورونا، فقرروا أن يضحوا بأجزاء من المال المخصص، لعلهم يكسبون الأجر". "كان السوق شبه متوقف خلال الأسبوعين الماضيين، ولم تكن هناك حجوزات مسبقة بالحجم الذي اعتدناه في هذا الموسم"، يقول عامر، وهو تاجر مواشً جنوب لبنان. ويضيف في حديثه مع "الحرة" "فجأة وقبل أيام قليلة من العيد، ارتفع الطلب وبلغ ذروته في اليومين الماضيين، تسبب الأمر بازدحام طلبات، كنا نستفسر من الزبائن عن سبب عدم حجزهم المسبق، وكان جواب عدد كبير منهم، أنهم كانوا بانتظار 'مساعدات العيد' من أقاربهم في الخارج". العيد يفقد مفهومه الخيري يلفت عامر إلى تبدل في مفهوم الأضحية في عيد الأضحى، "كانت الناس تضحي لتطعم الفقراء وتوزع اللحم، اليوم يشترون الأضاحي لأنفسهم، ليأكلوا منها في الأيام والأسابيع المقبلة، بعض الزبائن حرموا أنفسهم من اللحم قبل أسبوعين أو شهر ليوفروا ثمن الخروف في عيد الأضحى ويحافظوا على عادات العيد". ويضيف "حتى أن الجمعيات الدينية والخيرية التي عادة ما كانت تحجز طلبات كبيرة، اقتصدت في طلباتها هذا العام وتراجعت الأعداد خمس مرات على الأقل، ويعزون السبب إلى تراجع كبير في التبرعات، حتى من يتبرع ما عاد يثق بالجمعيات والمؤسسات الدينية والحزبية، يفضل أن يشرف بنفسه على التضحية والتوزيع". "حتى إكرامية العيد، فقدها اللحامون" يختم طعان، "كان العمال في الملاحم، ينتظرون العيد حيث يزداد الطلب على الذبح والسلخ والتقطيع، وكانوا ينالون ما يسمى بالمعايدة وهي إكرامية مالية عادة ما تتجاوز الأجرة المتعارف عليها للحام في الأيام العادية، يدفعها من يضحي للحام في هذا اليوم، وينتظرها كثيرون لزيادة مدخولهم المادي، حتى هذه الإكرامية باتت اليوم موضع نقاش من قبل الزبائن، واضطر العمال إلى وضع تسعيرات ثابتة كي يضمنوا حقهم ببدل أتعاب مناسب، وتبلغ أجرة الشخص الذي يذبح بين 50 و100 الف للخروف، وتتراوح بين 250 و500 للعجل". قناة الحرةاضافة اعلان