"لبيك يا حسين".. "لبيك يا داعش"!

لا يمكن أن يكون خطأ أبداً -يضاف إلى قائمة لا تنتهي من خطايا الحكم في العراق منذ العام 2003 - إطلاق المسمى الطائفي "لبيك يا حسين" على حملة مليشيات "الحشد الشعبي" على محافظة الأنبار، بدعوى تحريرها من تنظيم "داعش". بل إن كل تلك الخطايا السابقة، وما نتج وينتج عنها، ليست إلا سياسة واعية، بدأتها الولايات المتحدة بحل الجيش العراقي السابق، قبل أن تسلم المهمة سريعاً لإيران التي صار واضحاً أن هدفها هو استنساخ النموذج اللبناني في العراق، كما في سورية واليمن إلى الآن، بخلق جيوش وطنية هشة أو صورية، تخضع -ومعها البلدان السابقة ككل- لمليشيات إيرانية مشابهة لحزب الله، تتلقى أوامرها من طهران مباشرة.اضافة اعلان
أكثر من بدهي أن الوجه الآخر لمسمى "لبيك يا حسين"، والذي أرادته طهران عن كامل وعي وتصميم، ليس إلا "لبيك يا داعش" على الطرف الآخر. وقد كانت كافية الساعات القليلة لاستخدام الاسم الطائفي -قبل تغييره إلى "لبيك يا عراق"- لضمان إيصال الرسالة الإيرانية بالتأكيد على البعد الطائفي في الصراع بين المكونات العراقية، والذي يجب أن يتواصل على هذا النحو من وجهة نظر نظام الملالي.
يتضافر مع ذلك مؤشر آخر على الدعم الإيراني المتواصل لتنظيم "داعش" في عملية الأنبار ذاتها، وهو المتمثل في ما نقلته وكالات الأنباء عن متحدث باسم "الحشد الشعبي"، بعد ساعات من بدء "التحرير"، بشأن تمكن هذه القوات من أسر 200 من أعضاء "داعش" في أماكن استطاع "الحشد" دخولها! وإذا كان هذا الرقم يبدو "فلكياً" بالطبع، بالنظر إلى سجل المواجهات بين "داعش" والقوات العراقية؛ الرسمية والمليشياوية وحتى بحضور ضباط إيرانيين، إلا أن المواطنين العراقيين في المنطقة المعنية أكدوا الرقم، إنما مع حقيقة أن الأسرى ليسوا سوى مدنيين، إذ لم يتواجد في المنطقة أصلاً، كما أوضحوا، إلا 20-25 من أعضاء التنظيم عند بدء هجوم "الحشد"! ولتتواصل، بذلك، عملية تخيير السُنّة العراقيين بين جرائم "داعش"، وجرائم إيران عبر "الحشد الشعبي".
لكن تدمير الجيوش العربية الوطنية، كما حصل أيضاً في سورية واليمن لحساب المليشيات الإيرانية، ليس إلا أحد الأهداف الإيرانية المتواصلة في العراق منذ عهد نوري المالكي وحتى الآن. فيما الهدف الأبعد هو تهجير سُنّة العراق، إن لم يكن إبادتهم، بدفعهم إلى "داعش" أو ادعاء أنهم جميعاً مع "داعش". وكثيرة هي التقارير الصحفية العالمية التي حذرت مبكراً من أن المالكي كان يستهدف سُنّة العراق في فترة حكمه، تحت شعار محاربة "القاعدة"؛ قبل ظهور "داعش" بشكل منفصل.
وضمن عملية التطهير الطائفي يمكن فقط فهم اشتراط وجود كفيل للسُنّي العراقي لدخول بغداد؛ خشية من إفساد ما تم إنجازه إيرانياً في عاصمة الرشيد على مدى السنوات الماضية. كما أن أي أزمة، ستسمح لاحقاً بتهجير المكفول والكفيل، أو تصفيتهما معاً بدعاوى الإرهاب، فيكون الإنجاز الإيراني الطائفي في هذه الحالة مضاعفاً.
قد نتفق مع أنصار "نظرية المؤامرة" بأن "داعش" مؤامرة ضد العرب. لكنها لا يمكن أن تكون مؤامرة أميركية صهيونية فقط، بل وإيرانية بالقدر نفسه. وبعيداً عن التحليلات والاستنتاجات، يكفي دليلاً تصريحات المسؤولين الإيرانيين العلنية عن السيطرة على البلدان العربية وإحياء الإمبراطورية الفارسية. أما بالنسبة لشعار "المقاومة والممانعة" الذي يُفترض أنه يبيح كل الجرائم وأبشعها بحق الشعوب العربية، فلم يعد سوى ورقة توت مهترئة يحاول أتباع إيران في العالم العربي إلصاقها بها عنوة، بعد أن رمتها هي ذاتها علناً، فلا حديث عن إسرائيل إلا لتطمين العالم وحماية البرنامج النووي الإيراني.