لجنة تحديث القطاع العام.. ارحمونا

سلامة الدرعاوي أجزم أن مشروع إصلاح القطاع العام قادر على اختراق موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد اللجنة الأخيرة التي شكلها رئيس الوزراء لتحديثه، فالأمر بات عنوانا إعلاميا لكل الحكومات بلا استثناء، وتحديداً منذ العام 2003، ولغاية يومنا هذا. كل حكومة تأتي بلجنة الإصلاح وتطوير القطاع العام تكون النتائج كارثية، وعكس الأهداف المعلنة، وتداعيات مخرجات تلك اللجان خطيرة على الاقتصاد عامة والخزينة خاصة. الحكومات تدير مسألة إصلاح القطاع العام بشكل مختلف للمعنى الحقيقي للإصلاح، لأن القضية أكبر من قدرة الحكومات في مواجهة آثار هذه العملية التي تحتاج إلى اجراءات عملية جراحية عميقة في القطاع العام الذي بات اليوم عنصراً مثبطاً للأعمال والقطاع الخاص، وأداء أقل فاعلية باتجاه خدمة المواطنين والجمهور، بعد ان كانت الإدارة العامة المحليّة عنوانا للتطوير والتنافسية والكفاءة ليس فقط في الأردن، وإنما في كل دول الجوار التي شهدت استقطاب الكفاءات المحليّة في دعم خططها ومجهودها التنمويّ. كل عمليات تطوير القطاع العام كانت عبئاً على مخرجات التنمية، والأمر لم يقتصر عند لجان شكلية ادعت الإصلاح، وإنما كانت هناك وزارات مستقلة في بعض الحكومات سميت بوزارات تطوير القطاع العام، بهدف تطويره وتحديثه، والنتيجة من هذا المدخلات العقيمة هي أقرب ما نستطيع وصفه بأنها إدارات وإجراءات لـ”تصفية القطاع العام”. اللجنة الحكوميّة الأخيرة التي شكلها رئيس الوزراء لتحديث القطاع العام هي وليدة لجنة سابقة أيضا لتطوير وإصلاح القطاع العام تم تشكيلها في شهر نيسان الماضي من ذات الرئيس، وكأن الأمر بحاجة إلى كل هذه اللجان لمعرفة الخلل والتشوّهات التي أصابت القطاع العام، أو لاتخاذ الإجراءات الصحيحة في معالجة وتصويب الوضع. عملياً وعلى أرض الواقع، كل حكومة تأتي بعنوان او بوزارة أو بلجنة لإصلاح القطاع العام تكون النتائج مريرة على الدولة ماليّاً وعلى القطاع العام من حيث الأداء والفاعلية، ثم تأتي لجنة أخرى في حكومة لاحقة وتعيد الكرّة بنتائج كارثية تحت عنوان الإصلاح مع كل أسف. في عام 2003 أقرت وزارة القطاع العام وفي ذات السنة تفرخت العديد من الهيئات المستقلة التي زادت العجز الماليّ للخزينة. وفي العام 2005 تم الإعلان عن خطة إصلاح القطاع العام الذي تم بموجبها تمرير تعيينات لآلاف الموظفين في الوزارات والمؤسسات المستقلة دون حاجة فعلية لهم، وغالبيتهم تساقطوا بالبراشوت على الدولة ضمن صفقات مشبوهة بين الحكومات ومجالس النوّاب حينها، وهؤلاء باتوا اليوم يسيطرون على مفاصل القطاع العام. والمصيبة الكبرى حدثت في العام 2011 عندما أعلنت الحكومة وقتها عن خطة إعادة هيكلة القطاع العام التي كلّفت الخزينة وحدها أكثر من نصف مليار دينار بعد ان كانت كلفتها التقديرية حوالي 82 مليون دينار، ناهيك عن خروج معظم الكفاءات الإدارية من الدولة إما بالتقاعد او العمل في مكان آخر خارج الدولة تحديداً. وتأتي بعد ذلك كله، الطامة الكبرى بقرار الحكومة السابقة بإحالة على التقاعد لكل من بلغت خدمته 30 عاما، لتنهي بذلك وجود أي خبرات تراكمية في جهاز الدولة الإداري، وتفرّغ الجهاز الرسميّ من الكفاءات، وتلغي ما يعرف بالصف الثاني في القطاع العام، فلم يعد في الوزارات اليوم اي مستويات إدارية قادرة على ان تحل محل الصف الأول. هذه هي مخرجات لجان وخطط الحكومة الإصلاحية للقطاع العام، والحقيقة انه لا يتوقع اي شيء إيجابي في هذا الموضوع من مخرجات حكوميّة، على العكس فالكل بات يضع يده قلبه من مجرد سماع أنباء حكومية تريد ان تعمل بهذا الشأن. لا يمكن ان يكون هناك إصلاح للقطاع العام طالما لا يوجد مسألة وتقييم ومحاسبة حقيقية للمسؤولين في القطاع العام الذين أوصلوا الإدارة الرسميّة إلى هذه المستويات المتدنية من العمل والإنجاز والبيروقراطية السلبيّة، فأولى خطوات الإصلاح الحقيقي هو محاسبة من قام بهذه الأعمال التي أرهقت الخزينة والاقتصاد، مما يعتبر واحد من أكبر قضايا الفساد الإداري في تاريخ الدولة الذي حدث تحت مظلة إصلاح القطاع العام.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان