لجنة نيابية للنظام والسلوك

كشفت حادثة الاعتداء على الزميل النائب جميل النمري، وقبلها حوادث مماثلة، عن غياب القواعد القانونية والقيم الأخلاقية التي تضبط سلوك وتصرفات البرلمانيين الأردنيين، أثناء ممارستهم لمهماتهم الرسمية أو في علاقاتهم في المجتمع. إذ يظهر البرلمان عاجزا عن التصرف، ويأخذ دور الحياد، وكأن الأمر لا يعنيه. اضافة اعلان
لملء الفراغ، يلجأ النواب إلى الحلول التصالحية و"بوس اللحى"، ويسقط "الحق العام" تلقائيا. وهذا من شأنه أن يشجع التطاول، ويسهل "العنف النيابي" اللفظي والجسدي، ما يهز صورة المؤسسة التشريعية، ويمس هيبتها ومكانتها الاعتبارية.
في البرلمانات الديمقراطية، تتشكل لجنة دائمة تسمى "لجنة النظام والسلوك". وفي بعض البرلمانات، تعطى رئاسة هذه اللجنة للمعارضة، وتتشكل مناصفة بين المعارضة والموالاة لمزيد من الشفافية والحياد. وتتولى اللجنة مهمة التحقيق واقتراح العقوبات في المخالفات التي يرتكبها النواب أثناء ممارساتهم لعملهم النيابي؛ وكذلك تلقي الشكاوى من المواطنين على تصرفات للنواب فيها خروج على القيم والأعراف والتقاليد البرلمانية.
عمل لجان النظام والسلوك ليس بديلا عن عمل القضاء، بل مكمل له، ويختص بتطبيق القواعد القانونية والنظامية الواردة في النظام الداخلي لمجلس النواب؛ مثل الغياب عن حضور الجلسات العامة واجتماعات اللجان النيابية، وكذلك "آداب المهنة"، أو ما يسمى في اللغة البرلمانية "قواعد السلوك" (Code of Ethics).
وتضع مدونات السلوك البرلمانية قواعد صارمة لضبط سلوك النواب وتحصين نزاهتهم، باعتبارهم ممثلي الشعب والمشرعين باسمه والمدافعين عن مصالحه. ففي بعض مدونات السلوك مثلا، منع للنواب المحامين من مزاولة مهنة المحاماة طيلة مدة النيابة، وبعد انتهاء هذه المدة بسنتين، حتى لا يستغل النائب نفوذه وسطوته المعنوية على القضاء.
وتقترح، أو تقرر لجان النظام والسلوك، عقوبات تصل إلى الحسم من الراتب، أو منع حضور عدد من جلسات مجلس النواب، أو الحرمان من المشاركة في الوفود البرلمانية، ونشر العقوبة في وسائل الإعلام والدائرة الانتخابية للنائب، وكذلك التنسيب برفع دعوى قضائية لسحب جواز السفر الدبلوماسي، أو حتى لإسقاط العضوية والحرمان من الراتب التقاعدي.
ليس في عملنا البرلماني أو تقاليدنا البرلمانية أي شيء من هذا. ولا أذكر أن عوقب نائب على مخالفة سلوكية، حتى حين قضم نائب أذن زميله النائب.
مقترحات تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب المركونة في أدراج اللجنة القانونية للمجلس، تتضمن إنشاء لجنة للنظام والسلوك، ووضع مدونة سلوك لأعضاء مجلس النواب، في سياق عشرات التعديلات الإصلاحية التي تستهدف تطوير وتحديث العمل البرلماني الأردني، والارتقاء إلى مصاف البرلمانات العصرية الحديثة التي تستند إلى الديمقراطية البرلمانية وتقاليد العمل البرلماني.
القواعد الناظمة للعمل البرلماني الأردني (النظام الداخلي) قاصرة، وتعيق عمل البرلمان، وتفقده القدرة على أن يكون شفافاً في علاقاته الداخلية أو في علاقته مع الجمهور والرأي العام. والأهم، أن آلية صنع القرار البرلماني وتركيبة لجانه وهيئاته القيادية، يعوزها احترام قواعد التعددية واحترام حقوق الأقلية، وتسمح بالهيمنة والإقصاء، وهذا من شأنه أن يضرب الصفة التمثيلية للنواب والتيارات النيابية.
طالما قلت إن الإصلاح البرلماني يبدأ بإقرار نظام داخلي جديد لمجلس النواب، لأنه الحاضنة التي سيعمل من خلالها النواب، ويمكنهم من أداء دورهم بكفاءة واقتدار، أو يفعل العكس تماماً.

[email protected]