لجوء عاطفي

 

قبل أيّام جاءني أحد المعارف إلى مكتبي في الجريدة. قال وهو يرتجف غضباً: المجرمة، لقد أرادت أن تقتلني! سألته بدهشة: مَن؟ قال: ميرفت زوجتي. أغلقتُ باب المكتب خلفه، ثمّ هدّأتُ من روعه، قلت له: عليكَ أن ترتاح، تعال اجلس. جلس الرّجل، وكان يهذي. كان يزمّ شفتيه ويحرّك قبضته في الهواء كأنّما أصابه المسّ. قال: أريد منك أن تكتب هذه الحكاية في عمودك الأسبوعي حتى يعرف النّاس فداحة ما جرى. قلتُ له: ما الذي حدث بالضّبط؟ نظر إليّ بعينين غائمتين، ولم يتكلّم. ابتسمت في وجهه نصف ابتسامة وهمست: لا بدّ أنّك ارتكبتَ مع ميرفت حماقة من الطّراز الثّقيل. قال لي: لا، لا مطلَقاً، صدّقني، إنّه مجرّد لجوء عاطفي لا غير. هتفت بدهشة: لجوء عاطفي! يا للسّماء! ما طبيعة هذا اللجوء؟ ثمّ إلى من التجأتَ يا عزيزي؟؟

اضافة اعلان

هدأ الرّجل في مكانه. سرّح نظره عبر النّافذة، وقال كأنّه يُدلي باعترافات: في العام الأخير حدثت لدينا في البيت تغيّرات مريبة. لم تكن تلك التّغيّرات من جانبي. أنت تعرفني. ميرفت هي التي تغيّرت. الأولاد تغيّروا أيضاً. تصوّرْ لقد أصبحوا يتحدّثون نصف كلامهم بالإنجليزية! مرّات عديدة قلت لهم هذه الرّطانة أمر غير مقبول. ميرفت كانت تسخر منّي ومن لهجتي، ومرّةً قالت لي بوقاحة: لقد دخلنا عصر العولمة يا رجل.

من الأمور المريبة التي حدثت في البيت قصّة الحيوانات. في البداية اشترت ميرفت الكلب. قلت لها يا حبيبتي أنا لا أحبّ الكلاب، أرجوكِ. قالت: إنّه كلب ألماني من سلالة كلبية محترمة، وسوف نسمّيه الفوهرر. بالنسبة لي أنا كنت أمقته، وأحياناً كنت أركله بقدمي ليبتعد من طريقي. ميرفت كانت تدلِّله. كانت تقدّد له اللحم، وتحمّمه بالشّامبو. في صبيحة أحد الأيّام وحين كنت أهمّ بالخروج من البيت للذّهاب إلى العمل، فوجئت بميرفت وهي تحمل الكلب وتتّجه به إلى سيّارتها. قلت لها خير إن شاء الله! قالت بحزن بالغ: الفوهرر مريض، وسوف أصطحبه إلى الطّبيب. صِحتُ في وجهها: الله لا يردّه. أكثر ما آلمني في قصّة الكلب هو أنّ ميرفت أصبحت تحتضنه. كانت تقبّله أحياناً وتأتي به لينام مكاني في السّرير.

الخطوة التّالية التي قامت بها ميرفت هي أنّها اشترت مجموعة كبيرة من القطط! ما هذا يا ميرفت؟ قلتُ لها، فقالت: إنّها حيوانات أليفة وممتعة، إنّنا مثلها، ألستَ حيواناً ناطقاً يا حبيبي؟ قلت لها: أنا سيئ ولكنّني أحبّ أن أعيش في البيت من دون هذه الحيوانات. كانت القطط تتحرّك في البيت بكلّ أريحيّة، وحين كانت ميرفت تضع لها الحليب كانت تنظر إليّ بشماتة، وتأخذ بهزّ ذيولها كأنّها تسخر منّي.

أنا لا أريد أن أطيل عليك، ولكن لا بدّ لي من التّعريج باختصار على ذكر السّلحفاة التي اشترتها ميرفت. لقد أسمتها أم داود، وزعمت أنّها تجلب الحظ!

باختصار لقد أصبحت حياتي جحيماً. في هذه الأثناء وقعتُ في غرام إحدى النّساء. وغبت عن البيت يومين متتابعين بصحبة المرأة الجديدة. حين عدت إلى البيت انفجرت ميرفت في وجهي وانهالت عليّ بالأسئلة، ولأنّني لا أحبّ الكذب أخبرتها بعلاقتي الجديدة، وقلت لها: إنّه مجرّد لجوء عاطفي، هل أسأتُ لكِ؟ عند ذلك فقط انتفضت مثل لبؤة. مضت إلى غرفة النّوم ورأيت المسدّس يلتمع في يدها. ولولا أنّني كنت أفرغته من الرّصاص حتى لا يعبث به الأولاد لكانت قتلتني.

إلى هنا انتهت حكاية الرّجل الذي حرتُ في أمره. لقد كنت سعيداً بهذا المصطلح الجديد (اللجوء العاطفي) الذي يمكن لنا أن نسمّيه خيانة زوجيّة، ولكن ما رأيكم بالذي حدث مع الرّجل؟ أرجوكم ساعدوني.

[email protected]