لحظة افتراق بين موسكو ودمشق

جنود سوريون يتخذون مواقع قتالية في محافظة الرقة التي يخطط الجيش لتحريرها من تنظيم داعش المتطرف.- (ا ف ب)
جنود سوريون يتخذون مواقع قتالية في محافظة الرقة التي يخطط الجيش لتحريرها من تنظيم داعش المتطرف.- (ا ف ب)

عمان-الغد- يقارن محللون، ما ابلغه وزير الخارجية الأميركية جون كيري لاطراف في المعارضة السورية، من ان واشنطن ليست مستعدة لخوض حرب مع روسيا من اجل هذه المعارضة، بما عبر عنه السفير الروسي في الامم المتحدة فيتالي تشوركينن حين قال :"روسيا ساعدت الأسد على تغيير موازين الحرب، ولزاما عليهِ الآن إتّباع الخَطّ الروسي والتزام محادثات السَّلام".اضافة اعلان
ولفت المحللون الى ان تصريحات السفير فيتالي تشوركين، "تنطوي على رسالة مهمة، موجهة إلى جميع الأطراف الكبرى التي تمسك بالخيوط، وإلى الأطراف الصغرى المعلقة في الخيوط".
وقالوا ان "تصريحات تشوركين تركز على التسوية السياسية للأزمة السورية، وتفادي أي تسخين من أي طرف لكي لا تتفاقم الأوضاع وتدخل إلى مسار يصعب التراجع عنه في ما بعد. وهي تراعي بالدرجة الأولي مصالح روسيا ليس في سورية فقط، بل وفي المنطقة، لأن موسكو لها مصالح متعددة ومتشابكة كدولة كبرى، ولا يمكنها التعامل بزوايا ضيقة مع الأزمات الضخمة، أو الانحراف عن القانون الدولي وتعطيل أي مبادرات من شأنها تحويل هذه الأزمة أو تلك من مسار عسكري إلى مسار سياسي – دبلوماسي".
وكان السَّفير الروسيّ لدى الأمم المتّحدة، قال انَّ "على الرئيس السوريّ بشّار الأسد الإصغاء إلى نصيحة موسكو في ما يتعَلّق بحَلّ الأزمة في بلاده".
ونقلت صحيفة "كومير سانت" الروسيَّة عن تشوركين يوم الخميس الماضي : "إنَّ التعليقات التي أدلى بها الأسد بأنّهُ يُريد استعادة السيطرة على كامل الأراضي السوريّة، لا تَتَّسق مع المساعي الدبلوماسيّة الروسيّة لحَلّ الأزمة السوريَّة". وأضافَ أنَّ "المسؤولين الأميركيّين يبدو أنّهم خَفّفوا موقِفهم من ضرورة تنحّي الأسد مِن منصبه".
وتابع: "إنَّ روسيا تعمل نحوَ التسوية السّلميّة للأزمة السورية، وإنَّ محاولة استعادة السَّيطرة على كامل البلاد سيكون تصرُّفًا بِلا جدوى وسيسمح للصراع بالاستمرار للأبد".
ولدى سؤاله عن تصريحات الأسد التي قال فيها إنّهُ "سيُواصِل القتال لحين تحقيق النصر ، قالَ تشوركين: "روسيا استثمَرَت بجدّيةٍ بالغة في هذه الأزمة سياسيا ودبلوماسيا، والآن أيضًا على الصعيد العسكري... ولذلك بالطبع نوَدّ أن يأخذ بشّار الأسد هذا في الاعتبار". وأضاف: "سمعتُ تصريحات الأسد في التلفزيون... وهيَ بالطبع لا تتماشى مع الجهود الدبلوماسيَّة التي تقوم بها روسيا... المناقشات تُجرى حولَ وَقف لإطلاق النار ووَقفٍ للأعمال القتاليَّة في المستقبل المنظور. والعمل جارٍ على ذلك".
ووَرَدَت تقارير غير رسميَّة عن رَفض الأسد لقاءَ شخصيات معارضة اقترَحتها موسكو كشركاء محتملين في المفاوضات، لكنَّ تصريحات تشوركين هي أوَّل إشارة علَنيّة على أنَّ موسكو محبطة مِن ترَدُّد الأسد من مسألة تقديم تنازُلات.
وعن تصريحات الأسد في شأن استمرار القتال في سوريا، قالَ تشوركين في المقابلة: "مع كُلّ احترامي لتصريحات شخص رفيع المنصب مثله... نقول إذا ما اتَّبَعت السُّلطات السوريَّة خُطى روسيا لحَلّ هذه الأزمة، فلدَيها فرصة للخروج منها مع حفظ كرامتها".
وتابع: "لكنْ إذا حادَت دمشق عن هذا الطريق بشكلٍ ما - وهذا مجدّدًا في رأيي الشخصيّ - فمن الممكن أنْ يَظهر موقف شديد الصعوبة، لأنّ أيًّا تَكُن قدرات الجيش السوريّ فقد كانت العمليَّات الفعّالة للقوّات الجَوّية الروسيَّة هي التي مَكَّنَتهُ من دفع معارضيه إلى خارج دمشق".
وراى المراقلون ان تصريحات تشوركين لا تعني تخليها دمشق، حتى وإن تزامنت هذه التصريحات مع مقال للكاتب الروسي سيرغي ستروكان في صحيفة "كوميرسانت" ذاتها، ذهب في هذا الاتجاه واعتبر تعبيرا عن موقف الرئاسة الروسية، خصوصا وان الصحيفة اياها تعتبر مقربة من الكرملين.
المراقبون راوا في مقال الكاتب سيرغي ستروكان، تعبيرا عن وجهة نظر عدد لا بأس به من المحللين والخبراء الروس الذين ينطلقون في الأساس من مصالح بلادهم، بينما أعرب تشوركين عن رأيه كدبلوماسي يمثل دولة كبرى في مجلس الأمن والأمم المتحدة.
واعتبر المراقبون ان روسيا، دعت وما تزال تدعو، جميع الأطراف إلى الالتزام بما أسفرت عنه اتفاقات جنيف. والحكومة السورية تمثل أحد الأطراف الأساسية والمباشرة في هذه الأزمة، وعليها أن تلتزم بما تم التوصل إليه لكي يتمكن الوسطاء الكبار من العمل، ولكي لا يحصل أي توجه للحرب والتدخل العسكري البري على حجج لخلط الأوراق وإشعال المنطقة.
وقالوا ان في هذا أيضا حفظا لمصالح لروسيا التي أرسلت سلاحها الجوي لمحاربة الإرهاب في سوريا، ومن أجل أن تكون شريكا مباشرا في الوساطات القائمة، ولكي لا تتكرر مغامرات الغرب كما حدث في العراق وليبيا. واضافوا ان لروسيا مصالح كثيرة بالضبط مثل بقية الأطراف التي جاءت من وراء المحيط ومن غرب أوروبا الذي يبعد عن سورية آلاف الكيلومترات.
لا شك أن تصريحات تشوركين، حتى وإن كانت خاصة وشخصية، تحمل رسائل كثيرة للحكومة السورية ولأطراف المعارضة، ولجميع الأطراف الأخرى صغيرة كانت أو كبيرة. وربما نجد لها تفسيرا ليس فقط في مقال سيرغي ستروكان، بل وفي مقالات ونقاشات وندوات كثيرة في الساحتين الإعلامية والسياسية في روسيا. وفي الحقيقة، هذا أمر صحي للغاية بعيدا عن نظرية "القطيع" والمنع والرقابة، والتضليل السياسي والإعلامي وأصحاب الرأي الواحد والطريق الواحد والصف الواحد، لأن ذلك ببساطة يجعلنا نتفادى التهويمات السياسية وخداع الرأي العام أو خداع الحلفاء الذين يجب أن يلتزموا بأصول التحالف والتعاون ويبتعدوا عن صب الزيت على النار أو افتعال مناوشات صغيرة لتفريغ الجهود الجادة من جوهرها ومضمونها، أو حرفها عن مساراتها التي تخدم الطرفين.
ويخلص المراقبون الى ان رسالة موسكو التي جاءت على لسان السفير فيتالي تشوركين، موجهة للحكومة السورية وخصومها، اذ ان موسكو أحد الوسطاء والضامنين في الأزمة السورية، وطرف له مصالح أيضا.  -(وكالات)