لذة الانتظار والنجاح.. مفتاحها الصبر

1-7
1-7

إسراء الردايدة

عمان- الصبر هو وقفة صغيرة بين الشهيق والزفير، ذات مذاق خاص. هو الصمت الدقيق بين نبضات القلب؛ حيث يأتي الربيع ببطء فيفرش سجاده الحلو العشبي.

اضافة اعلان

برعم واحد يزهر في كل مرة، وتظن أنه لن يحدث أبدا وأنت تراقبه. فهو يزحف نحو أشعة الشمس في الأفق، ويختفي بين ظلال اللافندر في سماء ما قبل الفجر.


فهي كثيرة المواقف التي يمر بها المرء، بحيث يفقد فيها القدرة على المتابعة والانتظار والاحتمال في السوق، أو مماطلة موظف المبيعات بالثرثرة مع الزبائن، ليؤخره عن موعد لاحق، ولا يستطيع مقابل ذلك فعل أي شيء سوى الانتظار.


وفي تلك اللحظات يخالج المرء الشعور بأعصابه تتمزق، وهرمونات التوتر تغزو جسده، وبأن هنالك سيناريوهات من المآسي على وشك البدء، بمجرد فقدان السيطرة.


ومهما فعل الفرد في مثل هذه المواقف، فإنه لن يحقق شيئا سوى جلب الإحراج لنفسه، فهو عالق في هذا الوضع، وفقدانه السيطرة لن يغير من الوضع شيئا.


والحل السحري لهذه الحالات هو الصبر، ويعني ضبط النفس، والتخلص من حالة الملل السريعة، التي تصيب الفرد خلال الانتظار.


فالصبر يولد الاسترخاء، والأهم من ذلك أنه مهارة مكتسبة، وليست صفة متوارثة، فلا يمكن لأحد تحويل الغضب والعجز عن فعل أي شيء، إلى شعور من اللذة والراحة والحرية، للاستمتاع بالوقت الذي بين يديه.


فالصبر هو القدرة على تحمل الانتظار والتأخير والاحباط، من دون الدخول في حالة من الهيجان والاضطراب، وهو في الأصل كلمة يونانية تعني المعاناة والقدرة على السيطرة على العواطف والاندفاع بهدوء وسط مصاعب الحياة.

والأمر الأكيد أننا نحتاج إلى الصبر في مختلف نواحي الحياة، لتحقيق الأهداف على صعيد العلاقات الشخصية والعملية، وله تأثير على الشعور بالراحة الداخلية والقيمة الذاتية والتفاني وتقدير الجهود، كما أنه فضيلة.


وينعكس الصبر بفوائده على مناحٍ مختلفة من الحياة، منها؛ دوره في التقليل من مستويات التوتر الفردي، ورفع مستوى السعادة، فالشخص الصبور قادر على السيطرة على عواطفه، كما أنه أكثر قدرة على التعامل مع الأوضاع والمواقف الصعبة بسهولة واتزان.


خصوصية الصبر
الصبر أشبه بعناق بين قلبين جاهزين لتقبل بعضهما بعضا، والاجتماع معا في عناق دافئ يدوم إلى الأبد، هو المقاتلة بقوة من أجل الوصول لما تريده.


فالأمر يحتاج إلى قلب قوي يعرف كم يجب أن يمر من الانتظار وأن تعرف أن هذه الانتظار لن يكون سهلا وتتقبله، بحيث تغدو قادرا على رؤية روية هذه العميلة، بالرغم من أننا في أغلب الوقت ننسحب، نضغط نكون أقوياء أو نوشك على الاستسلام.


في حياتنا اليومية نحن دائما على عجلة من أمرنا، نسابق الزمن، نمشي بسرعة، نتحدث بسرعة، وحتى أنفاسنا بالكاد نلتقطها، نحن نستعجل الحب قبل أوانه، نفقد متعة الاكتشاف وفق خضم العجلة للتعرف على شخص ما، نلتقيه بحرارة، وينتهي بنا الأمر في قلب مكسور.


لأننا لم نصبر كي تنضج تلك المشاعر وتصل إلى مرحلة الاستدامة والتفاهم. فنحن نستعجل التغيير ونتخذ الخطوات ثم نقفز قبل أن نكون مستعدين، لنتخبط لاحقا بسبب نقص التقدم ونغرق في عاصفة من الدموع.


لماذا نستعجل الحياة؟
أحيانا نفكر أنه ربما إذا تحركنا بسرعة كافية وإذا اختبأنا وراء كثير من العمل، فلن يكون علينا مواجهة أنفسنا، ولن يكون لزاما علينا أن نشعر. ولن نضطر إلى النظر داخل أنفسنا، ونرى كل الحزن أو كيف نكافح بكل قوة ونحن نشعر بالخوف أو الغضب.


غير مدركين أنه مهما طالت مدة هربنا وسرعة تحركنا فلن نستطيع إخفاء ما نشعر به، ولا يجوز لنا أن نختفي عن ذاتنا ونتجاهلها. فلا يوجد صمام هروب.


فما الذي سيحدث إذا تباطأنا وواجهنا كل شيء، ماذا لو توقفنا عن إجبار مشاعرنا على الاختباء؟ ماذا لو تركنا لأنفسنا العنان قليلا وعشنا الوقت كما هو.


فنحن في كثر من الأوقات نزرع بذورا ولا نعطيها أي وقت للنمو، غير مدركين أن كل شيء يحتاج وقتا، فتلك البذور تحتاج للماء وأشعة شمس دافئة، وقطرات مطر ترويها. تحتاج مرارا وتكرارا والأهم تحتاج للمسة لطيفة من الرعاية، وهكذا نحن.


فالشخص الصبور أكثر تلقائية ووجدانية مع نفسه ومع الآخرين، وهؤلاء قادرون على تحديد ما يلزمهم للتغلب على العقبات، وأكثر قدرة على فهم الآخرين، فالصبر يطور القدرة على فهم الأمور ونموها، وتقدير أهمية عامل الوقت.


وكي تتعلمه وتجيده مطلوب منك أن تفكر بما تقوم به، وأن تتمهل فلا تكون مندفعا متهورا، فما من داع باستعجال تنفيذ الأمور وتسريعها بعض الشيء بشكل خارج عن مسارها الطبيعي، توقف للحظة، وخذ نفسا عميقا قبل فعل هذا.


والأهم من كل هذا كن راضيا بما يحصل، لا تقاوم فالعقل حين تستعجل الأمور يكي لا يصاب بحالة من التهور ويدفعك للهاوية، بسبب التوتر وتنقبض أعصابك، ويهتز جسمك وينتفض، حاول التركيز على هذه المشاعر وتخلص منها.


كل شيء يستغرق وقتا
التغيير يستغرق وقتا، كما الشفاء والنجاح. بقاؤك على المسار الصحيح يتطلب جلدا وعزيمة، فلا تدع عزيمتك تثبط بسهولة. ونعم، قد يكون الأمر محبطاً -ولكنه جميل أيضاً. فنحن نتعلم من تجاربنا كيف نقيم الأمور.


دعنا نتباطأ ونتأمل حولنا ونتنفّس، فالمحيط جميل لو أمعنت النظر، تلذذ بالتنفس كما تتلذذ بأشهى المأكولات كملعقة من صلصة المانجا.


عُد إلى الوراء، انظر بعينٍ ألطف.. لاحظ أنه على الرغم من أنك قد لا تكون في ازدهار كامل في الوقت الحالي، إلا أن جذورك تزداد قوة وثباتا، فقريبا وفي الوقت المثالي ستبرز براعم حلوة صغيرة، وتتفرع بالحماس الجامح.. إنها ثمار الصبر "حلوة" للغاية.