لسنا بحاجة المعجزات لكي نتقدم

مكرم أحمد الطراونة جمعتني الصدفة أمس، مع أردني مغترب في دولة الإمارات، وقد تحصل على جنسيتها تكريما لدوره المهم في تطوير الإدارة في الدولة الشقيقة. الحديث معه تشعب كثيرا، ولكن كان هناك تركيز على الأردن والإمكانيات المتوفرة فيه للتقدم. المغترب الأردني لم يتردد بالتأكيد على امتلاك الأردن القدرات البشرية اللازمة لمحاربة الفساد، والتعافي من الترهل الإداري، وتنظيم الحياة العامة بما يخدم المواطن بالطريقة المثلى. المغترب الأردني مؤمن تماما بهذا، إلا أنه يحيل عدم تحقيق ذلك حتى اليوم في الأردن إلى أمرين اثنين لا علاقة لهما بالتحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة، الأول التراخي في التطبيق الحقيقي والحازم للقانون، وثانيهما ألا ينظر المسؤول إلى عمله كـ”وظيفة”، بل إلى مهمة يتوجب أن يعشقها انطلاقا من عشقه وانتمائه وولائه لدولته، وأن يسخر ما يمتلك من خبرة ومعرفة في سبيل الوصول إلى منظومة إدارية متطورة، تسهل الحياة العامة وتحقق العدالة والمساواة. ربما آثرت بلقائي لهذا الشخص، والنظرة الإيجابية التي يحملها للكوادر البشرية لدينا، كي أدخل في الحديث إلى لقاء مع سمو ولي العهد في مكتبه أول من أمس، والذي ساد فيه حديث واضح وصريح إلى أقصى درجات الوضوح، خصوصا مع تأكيد سموه على أن مشروع تحديث القطاع العام الذي تمضي فيه المملكة الآن، هو أساس التقدم في جميع مسارات الدولة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مدركا لأهمية التأهيل البشري والتدريب وتطوير المهارات، من أجل إدارة أكثر حداثة وديناميكية. هذه الرؤية تتمتع بالموضوعية والمنطقية، فنحن لن نستطيع التقدم في أي سياق من دون أن تكون الإدارة العامة واحدة من الروافع الأساسية لهذا التقدم، وإن لم ننجح في عملية التحديث والتطوير، فمن الأفضل أن نجرب حظوظنا في أي قطاع آخر، لأننا حينها سنكون كمن يبني من دون أساسات. نجاحنا في التطوير الإداري سيكون كلمة السر والعون لنا في بناء أي مشروع نهضوي قادم، وبالتالي سنكون قد نجحنا في بناء أول منظومة التحديث الحقيقية. سموه يؤكد أن ذلك لا يمكن أن يأتي من غير شراكة حقيقية وفاعلة مع المواطن الذي هو محور كل عملية تحديث وتطوير، وبالتالي فإن على الإعلام أن يأخذ دوره في شرح الخطوات وإلقاء الضوء على الإجراءات التي تتطلبها المرحلة المقبلة، وأن يأخذ موقعه الطبيعي في الرقابة المسؤولة، من غير تهويل أو التقليل من شأن أي إنجاز نراكمه في مسيرتنا الوطنية نحو بناء الدولة النموذج التي نطمح جميعنا إليها. لكن الإعلام ليس الطرف الأوحد في هذه المعادلة، فهناك المسؤول، وعليه بالتالي أن ينفتح على الإعلام، وأن يضعه في صورة تقدم عملية التحديث، والإنجازات، وكذلك التحديات التي تواجه العملية. يتوجب على المسؤول أن يرفد الإعلام بالمعلومة الصحيحة في جميع مراحل عملية البناء، لا أن يتركه غائبا وحائرا، ما يفتح الباب أمام التكهن والاجتهاد، وشيوع المعلومة الخاطئة والمضللة. مؤخرا زار ولي العهد مركز الخدمات الحكومية الشامل في منطقة المقابلين، ويأتي ضمن خطة المراكز الحكومية الشاملة في إطار تطبيق مفهوم “الحكومة الواحدة”، وتماشياً مع مفهوم التحول الرقمي الذي يهدف إلى رقمنة الخدمات الحكومية كافة. لقد شعرنا جميعنا بالفخر لهذا الإنجاز الذي يعتبر نموذجا حقيقيا للتطوير الإداري، الذي يسعى لتسهيل حياة الناس عبر توفير خدمات بأقل وقت وجهد. السؤال هنا؛ هل احتجنا لمعجزة من أجل النجاح في إنشاء هذا المركز؟ بالتأكيد لا، ولكن الأمر احتاج لتفكير موضوعي بحاجاتنا وأولوياتنا، تبعه تخطيط سليم، ثم تنفيذ عملي محكم. هذا كل ما يحتاجه الوطن منا؛ أن نكون مخلصين في مراحل عملنا جميعها؛ تفكيرا وتخطيطا وتنفيذا، وأن نعرف من أين نبدأ لكي يكون باستطاعتنا رسم خريطة طريق لأولوياتنا واحتياجاتنا. نحن في حاجة حقيقية للأمل الذي يحيي النفوس، في حاجة للإنجاز لكي نمحو جميع الخطوات المشوشة التي لم تكن سليمة، وأدت إلى زيادة الضغط النفسي والاقتصادي على المواطن. هذا كل ما يحتاجه الوطن من أبنائه؛ فهل نحن مستعدون؟! المقال السابق للكاتب:  موسم الهجرة إلى أفريقيااضافة اعلان