لعبة الأقوياء!

لا خلاف أن العملية السياسية الصحيحة الخالية من المجرمين والقتلة هي السبيل الأمثل لتحقيق أحلام العراقيين، وأن صناديق الاقتراع هي البوابة الآمنة والضامنة لتحقيق طموحات الجماهير والانتقال بهم إلى مرحلة بناء دولة المواطنة والإنسان وتحقيق الحياة الكريمة. وسأحاول هنا تناول واقع مشاركة "سنة" العراق في العملية السياسية، وما هي الثمار التي جنوها من وراء هذه المشاركة؟اضافة اعلان
العملية السياسية بُنيت في تموز (يوليو) 2003 على أسس طائفية وعرقية، وصُممت لتقسيم العراقيين إلى سنة وشيعة ومسيحيين، ولأعراق متنوعة عربية وكردية وغيرها من المكونات المجتمعية.
وقد امتازت مجمل تلك العملية بميزات آكلة وساحقة ومنها تسلط بعض الأطراف العراقية على الأخرى بحجة الأكثرية، وكان من أكبر نتائجها جريمة التهميش الذي مُورس في جميع مفاصل الدولة المدنية والعسكرية بحق "سنة" العراق على اعتبار أنهم أقلية، وهذا الكلام لا يوجد عليه أي دليل إحصائي، وكذلك لوحظ غياب "هيبة الدولة" وانتشار السلاح خارج إطار القوات المسلحة وغيرها من الحقائق التي تؤكد هشاشة العملية السياسية والدولة معاً.
الحديث عن المشاركة "السنية" سيقودنا إلى أصل القضية، وهي: هل حققت تلك المشاركة النتائج المرجوة منها، أو بعبارة أخرى هل استطاع ممثلو المحافظات السنية أن يحافظوا – على الأقل- على أبناء مدنهم من القتل والاعتقالات والتهجير وتدمير مدنهم؟
ربما هنالك منْ سيتحدث عن أن تواجد "الإرهاب" في هذه المحافظات هو السبب في هذه التداعيات! وهذا الكلام "مقبول" نوعاً ما، ولهذا سنعود إلى نقطة جوهرية وهي أن الحكومة السابقة، حكومة نوري المالكي هي التي أوصلت الأمور إلى هذه النقطة؛ وذلك بعد أن تجاهلت مطالب أبناء المحافظات السنية، وسحقتهم بآلتها العسكرية، وكذلك عدم  تمكنها من المحافظة على مدينة الموصل وأمرت قواتها بالانسحاب، أو تنظيم المؤامرة؛ وبالتالي انخرط عقد المدن السنية واحدة تلو الأخرى لنجد أنفسنا أمام مدن وصمت عنوة بالإرهاب، ومُسيطر عليها من قبل "داعش"!
فهل يعقل أن يكون الانهيار بهذه العجالة، وهم الذين يملكون قوات نظامية تمكنت من الوقوف بوجه جيش المهدي في البصرة، والحفاظ على أمن المنطقة الخضراء منذ عدة سنوات، ولم تتمكن أي قوة من ضرب المنطقة الخضراء حتى اللحظة؟!
العملية السياسية في العراق دُعمت أميركياً وإيرانياً ودولياً للوصول بها إلى مرحلة (الدولة)، وإظهارها بأنها تمثل جميع العراقيين من الشمال إلى الجنوب، ورغم ذلك هي ما تزال في غرفة الإنعاش السياسي، ويمكن الإعلان عن موتها في أي لحظة، لأنها لا تمثل إلا بعض العراقيين!
رأينا خلال السنوات الماضية تمييعاً للمشاركة "السنية" مرة بتزوير نتائج الانتخابات، ومرات عبر الملفات الكيدية التي رتُبت على شخصيات أبت الصمت ولا داعي لذكر أسمائهم، وبعضهم اليوم داخل المعتقلات ومحكوم عليهم بالإعدام، والبعض الآخر اضطر للخروج من البلد للتخلص من الأحكام الوهمية التي أصدرتها المحاكم القضائية السياسية لإبعادهم من المشهد السياسي.
وهنالك القسم المشارك حتى الساعة وغالبيتهم رضوا أن يكونوا في إطار المنصب دون الالتفات إلى مكاسب المشاركة، أو الخسائر التي ضيعت "سنة" العراق ودمرت مدنهم بحجة مكافحة الإرهاب، وهؤلاء يمتازون - في الغالب- بالضعف والتفرق وعدم التجمع تحت مظلمة واحدة يمكن أن تجعلهم قوة حقيقية في اللعبة!
حصيلة مشاركة "سنة" العراق في اللعبة لم تُثمر عن أي قرارات فعلية بما فيها قرار العفو العام، وإِعمار المدن وإعادة الحياة للمحافظات التي يمثلونها، ولا حتى ترتيب عودة المهجرين لمنازلهم ووظائفهم، بل هي مجرد مشاركة صورية أنتجت وعوداً وقوانين لم تُطبق، وهذه لا يمكن أن تُعد من "المكاسب" في عالم السياسة.
التجارب الماضية أثبتت أن الحكومة لا تريد شركاء وإنما تسعى لإيجاد جماعات موالية وراضية بما يُقدر لها من "المكاسب الشكلية"، أو من فتات المائدة دون السماح لها بالمطالبة بحقوق جوهرية وفقاً للواقع وبضمانة الدستور.
المشاركة الفاعلة ينبغي أن تكون قائمة على الحوار الهادف القائم على أرضية الإيمان بالحقوق الإنسانية والدستورية للجميع، وعدم التهاون في تلك الحقوق، وإلا فان مشاركة الضعفاء لن تحقق أهداف سنة العراق بل ستزيد من معاناتهم القائمة حالياً!