"لعبة" الحرب

في جزء منها، تبدو حروب الولايات المتحدة في العالم الإسلامي أشبه بـ"نزهة" لجنود محترفين يذهبون إلى أقاصي الأرض لـ"تأديب الأوغاد".
بهذا المنظور، لا تخرج "لعبة الحرب الأميركية" عن مفهوم "حروب رامبو" الأسطوري، البطل "السوبرمان"، في أجزائه الفيلمية الكثيرة، والذي يتكفل وحده بإنهاء الحروب من دون أن يحتاج مساعدة من أحد؛ أو مفهوم "جاك باورز" للبطل الأميركي الذكري، في مقابل الإرهابي المسلم القاسي.اضافة اعلان
اجتهدت هوليوود، ومن يقفون خلف إنتاجاتها، في إظهار أن الحروب الأميركية تأتي محمولة على قيم أخلاقية عليا، حين يتكفل ساسة واشنطن الطيبون بإقرار عطفهم على العالم، وإخراجه من نير العبودية إلى نعمة الحرية. لذلك، نجد أن الهدف الأسمى في مضمون تلك الأفلام يكون إبادة العدو، وهي إبادة ينظر إليها على أنها "موت مبارك"، فتعجيل نهاية الأوغاد تبدو مهمة مقدسة لجنود مقدسين.
حتى عندما تلجأ هوليوود إلى انتقاد الحرب وقسوتها، فإنها تلقي الضوء على الداخل الأميركي، فتصور، مثلا، كيف أن الجنود الأميركيين يصابون بالأمراض النفسية جراء اشتراكهم في تلك الحروب، ومرورهم باختبار موت الرفاق، وهو الموت الذي يبقى أثره طويلا في نفوسهم. غير أن "معاناة العدو"، واضطهاده ومقاتلته في أرضه، هي أمور قلما تظهر في السينما الهوليوودية المدججة بالأيديولوجيا.
تلك حقائق تم زرعها في البنية الثقافية للشباب الأميركي على امتداد أجيال متعاقبة. لذلك، فحين يذهب الأميركيون إلى العراق أو أفغانستان، فإنهم يكونون مأخوذين بمفهوم الخير الذي يمثلونه في مقابل الشر الذي يمثله العدو.
قد يكون في هذا الحديث ما يفسر بعض الفضائح الأخلاقية، أو السجل الحافل بالجرائم والمجازر التي ارتكبها الجنود الأميركيون في هذين البلدين.
منذ مجزرة "حديثة" في العراق، ومرورا بفظائع "سجن أبو غريب" والجرائم ضد المدنيين في أفغانستان والعراق، ووصولا إلى مقطع الفيديو الأخير الذي يظهر جنودا أميركيين يبولون على جثث قتلى من "طالبان"، وغيرها الكثير، حاول كتاب غربيون التأشير على تأثير الحرب في سيكولوجية الجندي، والتي تولّد لديه استعدادا للقسوة. غير أن معظم هؤلاء الكتاب تناسى "إشكالية الثقافة" التي تطرح الجندي الأميركي "مخلّصا أبيض جديدا"، في مقابل "كائنات طفيلية" لا ترقى إلى المستوى البشري، معيدة، بذلك، إنتاج عقيدة تفوق جديدة بعد أن كادت تنتهي في أعقاب الحقبة الاستعمارية الأولى. إن إدانة الحرب وحدها، ووضع جميع الأوزار عليها، ليس كافيا لسبر أغوار الأسباب التي تجعل الجنود الأميركيين ينتهجون سلوكا حيوانيا تجاه الشعوب التي يحاربونها، إذ لا بدّ من دراسة "الثقافة التوجيهية" التي انتهجتها الولايات المتحدة بواسطة أذرعها الإعلامية العديدة، والتي زرعت في مخيلة الأجيال المتعاقبة مفهوم "المخلص الأبيض ناشر قيم الحرية والعدالة"، ولو كان ذلك على تلال من الجثث البشرية.

[email protected]