لعبة بوتين في سورية وصلت نهايتها

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر احتفالا في موسكو لإحياء الذكرى 73 لانتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية – (أرشيفية)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر احتفالا في موسكو لإحياء الذكرى 73 لانتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية – (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

جوناثان سباير* – (فورين بوليسي) 24/5/2018 

تبدو سورية باطراد ماضية نحو تقسيم بحكم الأمر الواقع، مصحوب بصراع عسكري منخفض المستوى وسياسة عاملة، وإنما بطيئة –أي ما يسمى "الصراع المجمد". وربما كان هذا هو الهدف الذي أراده كل الوقت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان قد أنشأ وأدار مثل هذه الصراعات في أماكن أخرى، بما فيها جورجيا وأوكرانيا.

اضافة اعلان

وربما يكتشف لاعبون مهمون آخرون في سورية، بمن فيهم إسرائيل، والولايات المتحدة، وتركيا وبقايا الثوار العرب السنة بالمثل أنهم قانعين بالواقع الجديد. وسيكون الخاسرون الواضحون، في المقابل، هما نظام الأسد وإيران.

ما هي المؤشرات على أن سورية تتحرك في اتجاه الصراع المجمد؟ فلننظر في الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا لمقابلة بوتين. في المؤتمر الصحفي الذي تلا الاجتماع، قال بوتين للصحفيين إنه "في أعقاب النجاحات الملحوظة التي حققها الجيش السوري في محاربة الإرهاب، ومع تفعيل العملية السياسية، سوف تشرع القوات الأجنبية المتمركزة في سورية في الانسحاب من البلد". وبدا أن هذا يلمح إلى أن الرئيس الروسي كان مهتما بمساعدة نظام الأسد على استعادة كل سورية. فلولا الدعم الجوي الروسي الذي اعتمد عليه الجيش السوري في العمليات القتالية الرئيسية (بما فيها حصار حلب وتدمير الغوطة الشرقية التي كان يسيطر عليها الثوار)، لكانت استعادة النظام السيطرة على هذا النحو مستحيلة. 

تكهن البعض بأن بوتين كان يشير في تصريحه فقط إلى انسحاب القوى الأجنبية المعارضة للنظام. وفي السابق، كانت موسكو قد سعت إلى التفريق بين وجودها الخاص في سورية (بناء على دعوة من السلطات السورية "الشرعية")، وبين الوجود غير المدعو للعناصر الأجنبية الأخرى. ومع ذلك، في هذه المناسبة، أوضح المبعوث الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، أن الرئيس كان يشير إلى "كافة القوى العسكرية الأجنبية المتمركزة في سورية، بما فيها (القوات) الأميركية، والتركية وحزب الله والقوات الإيرانية".

أعقب البيان الروسي رد فعل غاضب من طهران. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، للصحفيين في طهران إنه "لا أحد يستطيع أن يجبر إيران على فعل أي شيء... طالما ظل الإرهاب موجودا وأن الحكومة السورية تريد ذلك، فسيكون لإيران حضور مستمر (في سورية)". وهذه التصريحات المتعارضة هي مجرد مؤشر واحد من كثير على الخلافات القائمة بين موسكو وبعض حلفائها حول مستقبل سورية. كما أن هناك التغاضي الروسي عن العمليات الجوية الإسرائيلية الأخيرة واسعة النطاق ضد الأهداف الإيرانية في سورية، ومنحها الواضح إذناً للأتراك لتأسيس جيب كبير في شمال غرب سورية. وفي الأثناء، رفض الأسد خطة روسية لكتابة دستور سوري جديد يحد من سلطاته.

يوحي نمط سلوك موسكو بأنها مرتاحة لإدامة النزاعات غير المحلولة، بكلفة قليلة نسبيا. وفي أوكرانيا، على سبيل المثال، ما يزال الصراع في الدونباس بعيداً تماماً عن الحل. لكن روسيا تضمن -عن طريق الاحتفاظ بأجزاء من دونيتسك ولوهانسك- أنها تستطيع تعطيل الشؤون الداخلية لأوكرانيا متى ما أرادت ذلك، وأن تظل خططها واستراتيجيتها هي القضية الأكثر إلحاحاً أمام أي حكومة أوكرانية.

في سورية، بطبيعة الحال، تدعم روسيا الحكومة أكثر مما تدعم تمرداً من صنعها هي، كما هو واقع الحال في أوكرانيا. لكن موسكو أصبحت توضح الآن أن مصالحها لا تتداخل بالكامل مع مصالح الأسد.

لم يكن هذا واضحاً على الفور عندما ظهرت أول طائرة روسية في سماء سورية يوم 30 أيلول (سبتمبر) 2015. وقد تم استقبالها بسيل من المقالات الافتتاحية الانتصارية في الإعلام الإقليمي الموالي لإيران وحزب الله. وبشرت مقالة في صحيفة الأخبار اللبنانية في ذلك الحين، والتي كتبها محررها، إبراهيم الأمين، بولادة تحالف الـ"4+1"، الذي سيضم إيران، والعراق، وسورية الأسد وحزب الله –وروسيا. لكن الواقع الراهن يشير إلى صورة أكثر تعقيدا.

تبدو روسيا إلى حد كبير وأنها أوضحت ما تريد إيضاحه في سورية. فقد حال تدخلها دون الهزيمة الوشيكة لنظام الأسد في العام 2015. وهو يسيطر الآن على نحو 60 في المائة من الأراضي السورية. وتم إفراغ الجيوب الأخيرة لسيطرة "داعش" في محيط دمشق مؤخرا. ولم يعد هناك أي خطر من انتصار الثوار. 

بالإضافة إلى ذلك، أثبتت روسيا فعالية تكتيكاتها الجوية الوحشية وأنظمة أسلحتها، والمهارة النسبية والتفاني اللذين يتمتع بهما جيشها بعد تجديده. كما احتفظت بسلامة قواعدها البحرية في طرطوس واللاذقية، وقاعدها الجوية في حميميم. وأوصلت فكرة أن موسكو تتمسك بحلفائها. وقتلت الكثير من جهاديي شمال القوقاز الذين شقوا طريقهم إلى صفوف الثورة في سورية. 

لكن لدى بوتين، كما يبدو بوضوح، قليل اهتمام بالوظيفة التي أراد محرر حزب الله، الأمين، أن يعرضها عليه: أن يصبح زعيم الكتلة الشيعية المتشددة في المنطقة. وبدلا من ذلك، تريد موسكو أن تجعل من نفسها القوة الرئيسية في السياق السوري، والعنوان الذي يجب أن يعبر الجميع من خلاله في سعيهم إلى تحقيق أهدافهم. ولكن، من أجل ذلك، يجب أن تكون روسيا قادرة، بطبيعة الحال، على منح كل طرف جزءا مما يريده، بدلا من الانقضاض بقوة على أي جانب.

لذلك، ترغب روسيا في إدامة الشقاق القائم بين تركيا والدول الأعضاء في حلف الناتو، وتوسيعه. وهو السبب على ما يبدو في أن موسكو تغاضت عن تأسيس جيب سني-تركي إسلامي بحكم الأمر الواقع في شمال غرب سورية، والذي يمتد من بلدة جرابلس في الشرق ويحتل الجزء الأكبر من محافظة إدلب. وقد أصبحت تركيا الآن في المراحل النهائية من إنشاء 12 موقعا للمراقبة، والتي تحيط بإدلب من جميع الجهات. وفي الأسبوع الماضي، استبعد نائب رئيس الوزراء التركي، رجب أقداغ، أي إعادة لمنطقة عفرين التي احتلها بلده حديثاً إلى نظام الأسد.

ما كان باستطاعة الأتراك تنفيذ عمليات إنشاء هذا الجيب من دون موافقة ضمنية من الروس الذين يسيطرون على الأجواء فوق شمال غرب سورية. وبطبيعة الحال، يعتبر النظام السوري الأعمال التركية انتهاكاً لسيادته. ولكن، من دون مساعدة روسية يعتمد عليها، فإن هناك القليل الذي يستطيع فعله.

وأبعد إلى الجنوب أيضا، تغاضت موسكو عن العمليات الجوية الإسرائيلية واسعة النطاق ضد القوات الموالية لإيران. ولم تبذل الدفاعات الجوية الروسية أي محاولة للتدخل. وأوضح بوتين في أعقاب زيارة أخيرة قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو أن روسيا ليست لديها النية في الوقت الراهن لتزويد نظام الأسد بنظام (س-300) للدفاع الجوي.

في المقابل، كانت إيران تضغط على النظام لمحاولة شن هجوم على جيوب الثوار المتبقية في جنوب غرب سورية. ومع ذلك، يجلب وصول وحدات تدعمها إيران إلى الحدود في ركابه إمكانية استفزاز رد فعل إسرائيلي واسع النطاق. وليس لروسيا مصلحة في مثل هذه النتيجة التي يمكن أن تغرق سورية في حرب جديدة وتهدد المكاسب التي حققها نظام الأسد مُسبقاً.

في الشرق، لا تبدو روسيا في عجلة من أمرها لتحدي تخندق الولايات المتحدة وحلفائها في الـ30 في المائة التي يسيطرون عليها من سورية إلى الشرق من نهر الفرات.

ويشير إلقاء وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، القفاز أمام إيران في خطابه الأسبوع الماضي إلى أن من غير المرجح أن يتخلي الجيش الأميركي عن مواقعه في شرق سورية في أي وقت قريب. وتعمل تلك المنطقة بمثابة حاجز أمام إقامة منطقة متصلة للهيمنة الإيرانية، والتي تمتد عبر العراق إلى لبنان والحدود مع إسرائيل، ويأمل حلفاء أميركا الرئيسيون، بمن فيهم السعودية وإسرائيل، أن تستمر الولايات المتحدة بالاحتفاظ بالسيطرة عليها كأداة للضغط المستمر على طهران. وقد التقى ممثلو الولايات المتحدة الأسبوع الماضي مع قادة قوات سورية الديمقراطية في بلدة منبج المتنازع عليها غرب الفرات، وتعهدوا بمواصلة دعم الولايات المتحدة لهذه القوة التي يهيمن عليها الأكراد.

إلى أين يتجه هذا كله؟ الآن، تريد روسيا التي حققت إلى حد كبير أهدافها في سورية، أن توازن دعمها لنظام الأسد مع مصالحها الأخرى: بالتحديد، التقويض المتواصل للغرب في الأماكن الأخرى من العالم، والحفاظ على علاقات العمل مع القوى الإقليمية الأخرى، بمن فيها تركيا وإسرائيل. وفي الأثناء، تركز الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل رئيسي على تحدي التقدم الإيراني الإقليمي. وسوف تكون النتيجة سورية مقسمة، والتي تعمل كملعب لتصارع الأجندات غير السورية –وهو وضع جيوسياسي تمتلك روسيا الكثير من الخبرة في إدارته والملاحة فيه.

 

*زميل بحث في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية، وكاتب عمود في صحيفة "جيروسالم بوست". وهو مؤلف "النيران المتحولة: صعود الصراع الإسرائيلي-الإسلامي".

*نشر هذا التحليل تحت عنوان: Putin's Endgame in Syria has Arrived