لعب الأطفال في الشوارع يعرضهم لمخاطر جمة.. أين رقابة الأهل؟

لعب الأطفال في الشوارع  يعرضهم لمخاطر جمة - (ارشيفية)
لعب الأطفال في الشوارع يعرضهم لمخاطر جمة - (ارشيفية)

منى أبو صبح

عمان- تفاجأ مدير لإحدى دور النشر، فايز أبو شيخة، لدى عودته إلى منزله في شارع أبي العلاء المعري في جبل القصور، بوجود طفل لا يتجاوز الأربع سنوات، يتمشى وسط الشارع ليلا، متسائلا في داخله أين أهل هذا الصبي؟!، كيف ينزل إلى الشارع بمفرده؟
يقول أبو شيخة: “نزلت بسرعة وأوقفت سيارتي وسط الشارع، ومسكت الولد وسألته من أين أتيت؟ فلم يجب، وأرسلت أولادا ليسألوا عن بيته في الحارة، فوجدوه، وتم تسليمه لعائلته، وتبين أن منزله يبتعد مسافة لا تقل عن 200 متر”.
ويضيف “كان الطفل في وسط الشارع، ولكن يسرني الله لنجاته، فكيف إذا ابتلي به سائق مسرع في هذا الشارع المظلم؟”.
تكرار هذه المواقف وسط غياب رقابة الأهل، دفع أبو شيخة للاتجاه ومخاطبة العديد من الجهات المعنية حول ضرورة محاسبة الأهل الذين يرسلون أولادهم للعب في الشوارع.
ويقول لـ”الغد”: “اتجهت لمدير دائرة السير ورئيس قسم التحقيقات، ووزارة العدل، ونقابة السواقين، ومخاطبة النواب في المجلس”، مبينا “سأتجه أيضا لدائرة الإفتاء وأطالب بفتوى لا تحمل السائق مسؤولية وقوع الحادث إذا كان ملتزما بجميع التعليمات”.
ويطالب أبو شيخة عبر “الغد” الجهات المسؤولة، بإعادة النظر في هذه القوانين، وأن تكون عادلة بتحميل الأهل مسؤولية ترك أولادهم في الشارع، وأن لا يتحمل السائق المسؤولية إن كان متبعا التعليمات المرورية كافة.
يرد رئيس قسم التحقيقات في دائرة السير المركزية، الرائد شادي حداد، بقوله: “القانون يدين السائق في حالة ارتكابه حالة دهس، والبند القانوني حسب الواقعة الموجودة داخل المركز الأمني ودائرة الحوادث”.
ويضيف أن هناك حوادث مفتعلة مثل تعمد الشخص بإلقاء بنفسه أمام المركبة، وهنا تحول الحادثة لقضية، ويعد السائق مشتكيا، ويتخذ القاضي القرار المناسب.
ويؤكد الرائد حداد، أنهم يطبقون قانون التشريع الذي يدين السائق المتسبب بالحادث، ويجب أن يكون هناك صك صلح في الحادث إن كان هناك مصابون من قبل المتضرر.
ويضيف الرائد “أما إن وقعت حالات الدهس والوفاة في أحد الشوارع وخالف المشاة التعليمات المرورية مثل قطع الشارع من المكان غير المخصص للمشاة، أو خارج النفق أو داخله، فنحن نسجلها في دائرة التحقيقات في المخطط المروري وتحول للقاضي لاتخاذ الإجراءات اللازمة”.
ويعد لعب الأطفال في الشوارع من السلوكيات الخاطئة، خصوصا وأنه يعرضهم لمخاطر جمة، قد تكون: الدهس، السرقة، الاعتداء، العراك والمشاحنات.. وغيرها، وللأسف يتجاهل العديد من الأهالي هذه المخاطر، ويخرج الطفل للعب في الشارع بينما هم منشغلون بأعمالهم أو متابعة التلفاز أو غيره.
وفي العديد من المواقف، يتعرض هذا الطفل لحادث دهس، ويصاب الأهل بالهلع والفزع حينها، ويلقون اللوم مباشرة على السائق وحده في تسبب هذا الحادث، متناسين أنها مسؤوليتهم في ترك ابنهم القاصر يتنقل ويلهو في الشارع العام.
وتعترف والدة الطفل “مهند” الذي يبلغ من العمر عشر سنوات، بأنه ينزل يوميا للعب الكرة مع أصدقائه في الشارع، فهو مولع بكرة القدم، وليس هناك مكان آخر يمكنه الذهاب إليه لممارسة هوايته المفضلة في اللعب!
تقول أم مهند: “أعلم أن هذا السلوك خاطئ، لكن غالبية أبناء الحي يلعبون معه، وأرى ضرورة توخي سائقي المركبات الحذر أثناء القيادة، خصوصا عندما يرون تجمعا للأطفال”.
أما الأربعينية أم حسام، فتعلمت درسا صارما عندما تعرض ولدها لحادث دهس من إحدى المركبات كاد أن يودي بحياته، لولا لطف الله وعنايته.
ولم تستطع حتى الآن نسيان تلك اللحظة التي أخبرها بها أبناء الحي بأن ولدها دهس من قبل إحدى المركبات، هي دقائق شعرت وكأنها ساعات لحين رؤيته والاطمئنان بأنه ما يزال حيا، وعند نقله إلى المستشفى أخبرها الطبيب بأن لديه كسورا عدة. وعليه منعت ولدها من اللعب في الشارع رغم تذمره واعتراضه المتواصلين.
اختصاصي علم النفس، د. موسى مطارنة، يبين أن لعب الأولاد بالشوارع أغلب الأوقات له انعكاسات سلبية على سلوك الأطفال كونه يخرج على الإطار التربوي الخاص بإعداد الشخصية وتوجيهها بأن تكون تحت الرقابة الأبوية وفي بيئة آمنة، مع الاختلاط بنماذج تصقل شخصيتهم بشكل عبثي عدواني وتعرض حياتهم ومستقبلهم للخطر.
وينبغي، وفق مطارنة، منح الأطفال الحرية في اللعب والاختلاط ضمن بيئة آمنة وتحت رقابة والديه دائما لتجنب ضياع الأطفال وإكسابهم سلوكيات وشخصية تشكل ضعفا في قدراتهم ومهاراتهم وسلوكهم المستقبلي وتعرض حياتهم للخطر.
ويقول الاستشاري التربوي والأسري، د. أحمد سريوي “يتصرف الأهل بطريقة غير مسؤولة حينما يتركون أبناءهم يلعبون في الشوارع دونما حسيب أو رقيب وبأي وقت وفي أي مكان، للأسف الشديد فإن غياب دور الأهل المراقب سبب كثير من حوادث الدهس، مما عاد بالظلم على هذا الطفل الذي تعرض للدهس”.
وبسبب استهتار الأهل، قد يموت الطفل وقد يصاب بإصابات بليغة وقد يسجن السائق وقد يفرج عنه بعد دفع الفدية، لماذا كل هذه الدوامة من البداية، لو كانت هناك رقابة حقيقية من قبل الأهل على أبنائهم.
ويعتقد بعض الأهل أنهم بهذا الفعل يتيحون الفرصة لأبنائهم للعب، وفق سريوي، وفي الوقت نفسه يرتاحون من مشاكلهم في المنزل مع بعضهم بعضا، وفي هذه الحالة هم يلقون بالمسؤولية على الشارع ومن يسكن فيه ويتجاهلون تماماً دورهم التربوي في هذه المسألة.
ويشير اختصاصي علم الاجتماع، الدكتور حسين الخزاعي، “إلى أن اللعب يعد من الحاجات الأساسية للطفل، منها الألعاب الرياضية مثل كرة القدم والجري، فهي تنمي مهارات الإنسان وتقوي لديه التفكير وتغرس بداخله روح التعاون والعمل بروح الفريق والانسجام والمحبة وتوطد أواصر العلاقة ما بين الأصدقاء والجيران والمعارف. ولكن في الشارع هي محفوفة بالمخاطر، لأسباب عدة، منها إمكانية تعرض الأبناء للسقوط، وخصوصا أن أرضية الشوارع صلبة تؤدي إلى كدمات وجروح وكسور، وكذلك إعاقة حركة السير، وعمل مشاجرات مع السائقين، التعرض إلى أذى وخاصة إذا كان بعض السائقين مسرعين”.
ويضيف “يجب اللعب بالأماكن والساحات الموجودة بالمدارس للأطفال وممارسة الأنشطة الرياضية، والاستفادة من الساحات الفارغة بتنظيفها وترتيبها بعيدا عن التعرض للأذى وحوادث السير أو التسبب بأذى للآخرين”.

اضافة اعلان

[email protected]