للذكرى والتذكير بالقاعدة الأصلية للإرهاب

لم تكن داعش موجودة ولا أعمالها الوحشية المهولة. كان هناك تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وهو كان يقوم ايضا بأعمال دموية لكن باستعراض إعلامي للوحشية أقل اتساعا وتنويعا واتقانا. وتحت الاحتلال الأميركي فإن قلة من الرأي العام  العربي والاسلامي كانت تحب ان تعترف أو تتعرف على مسؤولية تنظيم يرفع راية مقاومة الاحتلال عن مجازر وحشية قذرة بحق مدنيين، خصوصا أن الساحة مليئة باللاعبين وأشكال الاجرام تتعدد من اغتيال العلماء الى أعمال الخطف والابتزاز الى التفجيرات الانتحارية وغير الانتحارية في الأسواق والمراقد ودور العبادة ومحافل العزاء وكل منها يشير إلى مصدر مختلف. إنما قطع  رؤوس الأجانب أمام الكاميرات فقد كان الماركة الجديدة المسجلة حصريا للتنظيم الذي حمل اسم  قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين  قبل الانفصال العلني عن القاعدة والاتحاد مع مجموعات سلفية جهادية تحت اسم الدولة الاسلامية في العراق ثم في العراق والشام واختصارها "داعش". هذا التاريخ معروف لكن كثيرين عندنا ظلّوا يرفعون حواجبهم متسائلين بدهشة من هو داعش!؟اضافة اعلان
خطاب الإنكار كان موجودا دائما، والى جانبه خطاب التبرير حين لا تنفع التبرئة. فالتيار الاسلامي العلني كان يتحرج عموما من ظاهرة العنف والارهاب باسم الدين والأفضل افتراض انها مؤامرة غربية على الاسلام بدل الاعتراف بأنها وليدة الفكر التكفيري الذي هو تنويع موجود في الاسلام السياسي، حتى انشقاق مجموعات عن الجسم الرئيس وتحولها إلى العنف الدموي والارهاب المحلي في هذا البلد أو ذلك وقبل أن توفر الساحة الأفغانية قاعدة عالمية للجهاد الذي كان يحظى بدعم الولايات المتحدة في مواجهة السوفييت حتى انهيار المعسكر الشرقي، فتحولت أميركا نفسها الى هدف في 11 سبتمبر مع العملية الارهابية الأضخم والأكثر ابهارا في التاريخ.
وخطاب الانكار يجد سندا فعالا في الثقافة العامة المسكونة بنظرية المؤامرة، وهو وسيلتنا للهروب دائما من المسؤولية الذاتية وإلقاء التبعات على آخرين، على أعداء أو قوى خفية كلية القدرة. وكل ظاهرة عنفية ووحشية افرزها الاسلام السياسي تمت مواجهتها بالانكار ابتداء بعشرية الدم في الجزائر والتي اعقبت إلغاء نتائج فوز جبهة الانقاذ مطلع التسعينيات حيث تحولت أجنحة منها الى العمل المسلح الذي اخذ منحى غير مسبوق في وحشيته وقسوته، وانتهاء بداعش والرعب الممسرح بالصوت والصورة على الفضاء الالكتروني.
وتفجيرات عمان التي مرت ذكراها أمس تعرضت لمحاولة تبرئة مرتكبيها. وأريد التذكير بأن رمزا أول من جبهة العمل الاسلامي يوصف بالاعتدال كتب مباشرة بعد التفجيرات تحليلا يقول إن أميركا والغرب بعد أن فشلا في مواجهة المقاومة الصاعدة في العراق وغيرها، يلجأون الى طريقة خبيثة لتشويه صورة الجهاد بعمليات ارهابية يلصقونها به!! طبعا القيادي الاسلامي كان يستجيب لغريزة دفاعية فورية عن الاسلام السياسي بكل تلاوينه ومنه التنظيمات المتطرفة التي سلكت درب العنف والارهاب، ولما كان مستحيلا تبرير هذه الافعال فقد درج الاسلام السياسي على المراوغة بإدانة الارهاب دون ادانة تنظيماته بما في ذلك داعش لابقاء الباب مواربا للشك حول الطرف الفعلي المسؤول ودوافعه. ونتذكر ان قياديا اسلاميا رفض عشر مرات طلب المذيع ادانة التنظيم وليس ادانة الارهاب فقط.
تفجيرات عمان غيّرت الرأي العام عندنا واطاحت بخطاب التبرئة وأحرجت خطاب التبرير. لكن ذاكرة الناس قصيرة فنفس الخطاب عاد مع داعش واستمر حتى اكتوينا مباشرة بالعمل الاجرامي الجبان بحرق الشهيد الطيار معاذ الكساسبة. فقد كان الجميع قد نسي ان داعش هو نفسه من قام بتفجيرات عمان حين كان التنظيم ما يزال يعمل كفرع للقاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي.