لماذا أشعلت "ستاندرد آند بورز" قلق العالم؟ (5-3)

زيان زوانه

عمان - استعرضنا في المقالين السابقين ثلاثة أحداث قلنا إن قرار مؤسسة التصنيف "ستاندرد آند بورز" بتخفيض تصنيف سندات الدين الأميركي كان محصلا لها، وتلخصت بانهيار مؤسسة إنرون والأزمة العالمية العام 2008 وأزمة منطقة اليورو وتخفيض تصنيف ديون دول رئيسية فيها.اضافة اعلان
أما الحدث الرابع فيتعلق بأميركا تحديدا، وذلك نتيجة النهج العلاجي الذي سارت عليه الإدارة الأميركية ومصرفها المركزي عندما تبنت خطط التحفيز للاقتصاد الأميركي ودعم الشركات والمؤسسات أملا منها بإخراج الاقتصاد من أزمة 2008، إلا أن خطط التحفيز تلك رفعت عجز الموازنة الأميركية ورفعت الدين العام الأميركي. ثم جاءت خطة الإدارة الأميركية برفع سقف الدين الأميركي للاستمرار بخططها التحفيزية لخلق مزيد من الوظائف بعد أن اقترب معدّل البطالة من 9.5% وبقي يراوح حوله. وحسب النظام الأميركي، فإن رفع سقف الدين العام قرار تشترك فيه الإدارة التنفيذية المتمثلة بإدارة الرئيس أوباما الديموقراطية والكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
وبدأت معركة شد الحبل بين السلطتين اللتين وجدتا نفسيهما محكومتين باستحقاق القرار قبل تاريخ أول آب (أغسطس) من هذا العام، وبدأ العالم يشهد خضوع هذا القرار لمناورات الحزبين للفوز بالحكم في البيت الأبيض ومجلس النواب استنادا إلى فلسفة كل منهما في الحكم، بين الجمهوريين الذين يعتقدون بضرورة تخفيض العجز من خلال تخفيض الإنفاق على النواحي غير المنتجة برأيهم مثل برامج الدعم الاجتماعي للمواطنين غذائية وصحية وتعليمية وغيرها، وأنه من الضروري حفز القطاعات المنتجة بتخفيض أعبائها الضريبية لتتمكن من خلق مزيد من الوظائف ونشل الاقتصاد من أزمته، كلّ هذا مقابل الحزب الديمقراطي ورغبته بالاحتفاظ بالحكم أيضا والتمهيد لذلك بتخفيض عجز الموازنة من خلال رفع الضرائب على الشركات والمؤسسات والأغنياء لرفد الخزينة، والإبقاء على برامج الدعم الاجتماعية للمواطنين.
وشغلت معركة رفع سقف الدين العام المجتمع الأميركي والعالم لأسابيع كانت حديث التقارير والنشرات والإعلام، وظهر واضحا أن المناكفات السياسية والمزايدات كانت تتغلب على المصالح القومية وسمعة أميركا قائدة العالم الاقتصادية والسياسية والعسكرية ومعاناة مواطنيها وما يمكن أن يحدثه الفشل في الاتفاق على هذا القرار من تبعات أميركية وعالمية على حدّ سواء. وأصبحت تحذيرات كل طرف للطرف الآخر مثار تعليقات للمؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية، بما فيها مؤسسات التصنيف الائتماني، التي أصدر بعضها بيانات تحذيرية من أن اقتصاد أميركا ليس بعيدا عن تخفيض تصنيف دينه، إذا لم يتفق الحزبان على خطة لمواجهة عجز الموازنة ورفع سقف الدين العام، في الوقت نفسه صدرت تصريحات من الصين؛ أكبر دائن لأميركا وأكبر حامل لسنداتها وعملتها، بأن طريقة تعامل الحزبين مع المشكلة لا ترقى إلى مستوى المسؤولية المطلوبة وما يحمله القرار من مخاطر على العالم، بما فيه أميركا نفسها.
واستمر الحزبان في منارواتهما حتى اللحظة الأخيرة، ما أظهر ضعف الرئيس الأميركي وعدم يقين خططه الاقتصادية وأصاب العالم وأسواقه ومستثمريه بإحباط شديد لعدم تقدير الطرفين لمسؤولياتهما أمام العالم ومواطنيهم.

[email protected]