لماذا المعلم؟

للأسباب التي نعرفها جميعا، وللدور المنوط به حين نمكنه من ثلث أعمار أبنائنا تقريبا، يقضونها وهم متمسمرون أمام سبورته، يرددون ما هو مقدم على كتابته و قراءته. اضافة اعلان
لأننا ندرك في قرارة أنفسنا بأن قسما كبيرا من تكويننا المعرفي والنفسي، مرتبط بشكل مباشر بالمعلم أو المعلمة التي أثرت علينا في يوم من الأيام. فرغم مذكرات الشقاوة والتململ من الدراسة، لكننا وبعد أن أصبح كثير منا آباء وأمهات أو خالات وأعمام مسؤولين ومتابعين لدراسة أولادنا، بتنا ندرك حجم العبء الذي كان معلمونا ومعلماتنا يحتملونه، فوق أعبائهم الأسرية والمعيشية الصعبة.
اليوم، وقد يبدو الحوار ما بين المعلمين والدولة متعطلا، ولو إلى حين، وبعد فشل الوساطات النيابية والاقتصادية والفردية، علينا أن نقف أمام نقطة جوهرية هي أساس المشكلة، برأيي البسيط. فالفارق ما بين العلاوة والحافز كبير جدا لو أردنا أن نخوض في التفسيرات!
التشتت في قراءة مطالب المعلمين، ربما بسبب خطاب نقابتهم، لا يضع النقاط على الحروف كما يجب. فبعد إقرار وزارة التربية والتعليم وعلى لسان ناطقها الإعلامي، بأن الخلاف ما بين الوزارة والنقابة ليس ماليا، جاء الدور لتفسير وشرح ماهية القناة التي على الحكومة أن تنظر إليها، لتحسن الوضع المعيشي للمعلم. فمعروف بأن الحافز مرتبط فعلا بالأداء الوظيفي، وتسميته أتت لتهذب كلمة المكافأة المنوطة بتقييم أداء المعلمين، والموظفين بشكل عام. فالمسؤول يحفز الأداء بشكل فردي، لينتج حقلا متنافسا في جو العمل، ويكافئ المجتهد على مخرجات عمله، وشكل التقديم والمصلحة المحققة.
لكن لا دخل للعلاوة السنوية في أداء الموظف، فهي مرتبطة بظروف المعيشة ونسب التضخم في البلد، ونسبة الغلاء وارتفاع الأسعار بشكل عام، فهي وفقاً لذلك تصبح أشبه بالحق المكتسب لجميع الموظفين، قد تتفاوت نسبتها حسب درجة الموظف، لكن لابد من أن يحصل الجميع عليها، لأنهم يعيشون في البلد نفسه، ويدفعون الفواتير نفسها.
أي إنسان يعيش في هذا الوطن، يمكنه أن يصل إلى نتيجة حتمية بأن وضع المعلم والمعلمة في البلد ليس موازيا بالمرة، مع الدور الكبير المعقود عليهما!
وأعني هنا تكدس الغرف الصفية وتلفظها لأعداد هائلة من الطلبة، فوق العبء الذي تحتمله. وظروف التعليم في مدارس "تضاهي المدارس في أوروبا" على رأي قائلها، وارتفاع الأسعار المنفلت في الأسواق للمواد الأساسية قبل التكميلية، يجعل من عبارة "كرامة المعلم" حزينة ومؤلمة.
المطلوب اليوم، عدم مقارنة المطالبات بعلاوة طبيعية تلحق برواتب المعلمين، مع مطالبات أخرى لقطاعات لا تقل أهمية، و لكنها لا تعتبر عصبا رئيسا في تكوين وصناعة المجتمع القادم. ثم لو أن العلاوة تلك تعتبر فعليا هدرا للأموال إن استفاد منها قطاع المعلمين، فهو "وهنا المقارنة مسموحة على ما أعتقد"، لن يأتي ذرة في قسم الأموال المهدورة التي لطالما أثقلت على جيب الوطن، وشتتت مفهوم مجتمعه في قضايا الفساد، الملاحقة يوميا والمفاجئة على طول الزمان.
صحيح أن أبناءنا ليسوا في الشوارع، لأنها ليست البديل عن تعطل المدارس. لكن الحاجة اليوم أصبحت ملحة بل ومحرجة، للخروج من عنق زجاجة الخلاف لما يصب في مصلحتهم؛ معلم مرتاح نفسيا وماديا، ومجتمع راض عن أدائه الذي يجب أن نلمس اختلافا به لو تحققت مطالبه. وهنا لا يصح الاستدلال على نتائج الثانوية العامة الأخيرة، للإشارة إلى الأداء المرضي. فعمليا وضميريا علينا أن نلمس الفارق في مخرجات الصفوف الابتدائية. وهنا يكمن المحك الحقيقي، والاختبار الصعب!