لماذا بجوار كيف!

حبس العرب والمسلمون في الولايات المتحدة أنفاسهم مع الأخبار التي تتحدث عن الحادث الإرهابي في كاليفورنيا أول من أمس. وبقي الجميع يترصّدون أي مؤشرات أو أخبار عن الفاعلين. بينما تفيد الإشارات الأولية بأنّ المنفذين الرئيسين هما السيد فاروق وتاشافين مالك، مع معلومات أولية غير مؤكدة حتى كتابة المقال.اضافة اعلان
لكن ما هو محزن بالفعل، ويمثّل "أزمة عميقة"، أنّ العرب والمسلمين اليوم أصبحوا بمثابة المشتبه به رقم واحد في أيّ جريمة إرهابية تحدث، في أيّ مكان في العالم، وتبقى النفوس متوترة حتى يثبت العكس، وإلاّ فإنّ الملايين سيدفعون ثمناً باهظاً لعمل قامت به مجموعة صغيرة. وهي الحال نفسها التي تنطبق على اللاجئين السوريين؛ إذ بمجرد أن تمّ "العثور" على جواز سفر بجانب جثة أحد منفذي اعتداءات باريس الإرهابية، حتى انطلقت الأصوات التي تحذّر من اللاجئين السوريين جميعاً، بل والبدء بإجراءات فورية لمنع وصولهم لأوروبا والحدّ من هذه الهجرة الاضطرارية في نسبة كبيرة منها.
المفارقة أنّ هناك قلقاً أميركياً بدأ يتنامى من خطط لأعمال إرهابية، بخاصة غداة أحداث باريس. وهناك إجراءات وقائية كبيرة للحيلولة دون نجاح أي عمل. وفي الأثناء، بدأت الشرطة البريطانية بالتدرب على أعمال مكافحة إرهاب يحاكي أحداث باريس الأخيرة، بالتزامن مع إجراءات فرنسية وبليجيكية مشددة ذات طابع أمني، ودخول كل من فرنسا وبريطانيا على خطّ قصف "معاقل" تنظيم "داعش" في الرقّة السورية مؤخراً.
الآن السؤال الأكثر أهمية: هل ستنجح هذه الجهود المكثفة في الحدّ من خطر "داعش" أو القضاء عليه؟ في العراق وسورية، نجح العالم في احتواء التمدد مؤقتاً، وربما تنجح جهود إضعاف التنظيم، وبدرجة أقل خطط القضاء عليه وتشتيت قواته واستعادة الرقة أو المدن الأخرى منه.
لكن لو جارينا هذا السيناريو الافتراضي، هل نكون قد تفوقنا على "داعش" واقتلعنا هذا الخطر من جذوره؟ الجواب: بالتأكيد لا؛ لأسباب رئيسة تتمثل في أنّ العالم اختزل "داعش" في تنظيم إرهابي عسكري، وافترض القادة الغربيون أنّ القضاء عليه سيمحو الخطر، بينما قد يكون الخطر الأكبر من التنظيم العسكري هو ذلك الفيروس الذي ينتشر عبر شبكة الإنترنت ويقتحم العقول؛ يقوم بعملية غسيل دماغ، ويصل إلى إعادة برمجة كاملة للعديد من الأشخاص!
كيف يمكن الدخول إلى شخص ما، وقراءة أفكاره ومعرفة خططه، والتنبؤ بما يمكن أن يقوم به؟! بالطبع، هذا مستحيل على الصعيد الأمني الإجرائي، بخاصة عندما نتعامل مع ظاهرة "الذئاب المنفردة" وقائمة الأهداف الناعمة!
ربما، وهنا بيت القصيد، تبرز الفجوة العميقة بين الجهود الدولية الحالية لمكافحة الإرهاب من جهة والتطوّر النوعي الذي حدث مع بروز تيار "داعش" من جهة أخرى. فالتيار هذا طوّر بصورة كبيرة وفلكية لغة التجنيد وأدواته ورسالته الإعلامية، وأصبح بمثابة "وباء العصر"، بينما ما تزال الجهود الدولية والعربية في مكافحة الإرهاب تتعامل معه بمنطق "الأدوات التقليدية"، وتطرح تساؤلات جزئية: كيف وصل عبدالحميد أباعود إلى فرنسا واجتاز الحدود؟ وكيف هرب صلاح عبدالسلام؟ وكيف اخترق تنظيم "داعش" الإجراءات الأمنية في مطار شرم الشيخ؟
لكن بجوار "كيف"، من الضروري حتى نصل إلى اكتشاف سرّ تلك "الرواية" التي يسيطر هذا الفكر من خلالها على عقول الشباب، أن نطرح سؤال: لماذا.. تتحول حياة أشخاص طبيعيين إلى هذا المنحى، فيصبحون متطرفين؟ لماذا نجحت هذه الأفكار في اختراق جهاز الكمبيوتر وعالم الإنترنت، وتفوقت على الرواية العالمية؟
الجهود الأمنية التقليدية، وحتى العسكرية، لم تعد قادرة على مجاراة التطور الكبير في النموذج الجديد. ولا بد من قفزة كبيرة نحو العمل الاستباقي؛ السياسي والنفسي والاجتماعي والإعلامي.