لماذا تراجع الوزير؟!

تزامن وصولي إلى مدينة السلط (أول من أمس لإلقاء محاضرة برابطة الكتّاب) مع بدء هجوم مكثّف شنّه طلاب غاضبون على "مصفّحات" الدرك، التي تفاجأت لحظة وصولها (لحماية مبنى مديرية التربية) بأمطار من الحجارة تنهال عليها!اضافة اعلان
داخل الرابطة كانت المرارة متبدّية على وجوه شخصيات تربوية ومثقفة وأكاديمية من أبناء المدينة، من المشهد المؤلم في عدد كبير من قاعات امتحان الثانوية العامة في المدينة، إذ يروي بعضهم مشاهد لا توصف عن انتهاك حرمة الامتحان والقاعات والتجاوزات التي حدثت.
بالرغم من أنّ الحضور اختلفوا في تقييم قرار الوزير بإلغاء نتائج امتحان الثانوية في يومي السبت والأربعاء بسبب ما حدث من تجاوزات، بين من يراه قراراً صائباً وطبيعياً ومن يراه بمثابة "عقوبة عامة" لسكان المدينة، إلاّ أنّ الحضور -المشهود لهم بالخبرة الأكاديمية والتربوية- أجمعوا أنّ ما شهدته تلك القاعات غير مسبوق أبداً في المملكة.
المفاجأة كانت، بعد ساعات محدودة، بتراجع الوزير عن قراره بإلغاء نتائج الامتحانات، جراء الشغب من جهة، والضغوط الشديدة التي مارسها نواب من المدينة ووجهاء على الحكومة لتعليق قرار الوزير، فظهرت حالة الارتباك بوضوح على تعامل الدولة مع قصة خطرة وحسّاسة مثل هذه، كانت تقتضي من كبار المسؤولين التفكير مليّاً فيها، بدلاً من التخبط والارتجال في القرارات!
على هذا المحك، تحديداً، تظهر معادن رجال الدولة والمسؤولين وكفاءتهم في اتخاذ قرارات ومواقف تتناسب مع حجم المسؤولية. فالأصل أن يتأنى الوزير في اتخاذ قراره وأن يستشير الخبراء الأكاديميين والتربويين والقانونيين، ثم إذا قرّر فلا يتراجع تحت ضغوط اجتماعية وسياسية، وابتزاز بعض "الشخصيات" للدولة، فنحن هنا نتحدث عن كرامة المؤسسات التعليمية وحرمتها ونزاهة العملية التربوية بأسرها، وقد كانت سابقاً محصّنة من هذه الانتهاكات المباشرة!
خلال الفترة الأخيرة حدثت أعمال شغب في السلط، بعضها نتيجة الإفراط غير المبرر في استخدام القوة من قبل الأمن، وبعضها الآخر كان استقواء على الدولة من جيل جديد من الشباب تشرّب تماماً ثقافة الهويات الفرعية والعصبية الاجتماعية. وكان واضحاً في الحالات جميعها أنّ "القيادات" (باستثناء شخصيات محدودة) غابت تماماً، واقتصر دور أغلبها على مغازلة الشباب والضغط على الدولة للإفراج عمن تورّطوا في أعمال الشغب والاعتداء على الممتلكات العامة!
ما تحتاجه الدولة ويريده المجتمع من القيادات والشخصيات المخضرمة في المحافظات جميعها ليس "رجالاً لإطفاء الحرائق" يظهرون (فقط) في أحداث الشغب بين الدولة والغاضبين أو بين الناس أنفسهم، بل ما نريده شخصيات تملك رؤى تسمع لها الناس، تقول كلمتها في المشهد السياسي، قدوة لجيل الشباب الجديد؛ شخصيات تساهم في حماية الدولة والمجتمع من الانهيار الحالي، لا تتوارى عن الأنظار ولا تستخدم "العنف" وسيلة لتعزيز المكانة في الدولة. أليس الأجدى بالدولة أن تعيد النظر في الشخصيات الجديدة التي "لمّعتها" فكانت جزءاً من الأزمة الحالية، على حساب القيادات الوطنية الحقيقية؟!
أليس السؤال مشروعاً أمام المسؤولين الوطنيين الصادقين؛ لماذا نقيم الدنيا ولا نقعدها ونملأ الإعلام تحشيداً وتجييشاً على استعراض لشباب منضبط في الحركة الإسلامية، ولا نفكّر ونناقش بعمق حقيقي هذا الصمت الرهيب والتجاهل المقصود لعنف مدوٍّ، وعصابات تتشكل في مناطق متعددة تستمرئ الاعتداء على الآخرين، حتى على الدولة وحرمة مؤسساتها وتلقي بالقانون عرض الحائط.. من شجّعهم على ذلك؟!

[email protected]