لماذا ترتدون القبعات؟

يعتب الأسرى وذووهم وبعض النشطاء، من قلة عدد المؤازرين في خِيام التضامن. ربما فاتهم أنّ في "كل بيت عرسا ودمعتَيْن"، وأنّ كثيراً ممن لم يأتوا هنا، ذهبوا هناك؛ لهذا الأسير أو ذاك، أو هم في بيت شهيد.اضافة اعلان
لن تسأل لماذا كان نديم صيام نوّارة مراهقاً عاديّا، وأغلب المراهقين العاديين أُناس غير عاديين؛ حياتهم مليئة بالحياة. والمراهقون في عصرنا يملكون هواتفهم الخلوية؛ يسجّلون لحظات كثيرة في حياتهم بواسطتها. وفي فلسطين، يستشهد المراهقون، ويخلّفون صوراً تكفي لنشر شريط حياتهم. ولكن نديم كانت لديه هواية طريفة، هي تجميع القُبّعات. إذن، سيكون هناك الكثير من القبعات في صُوره؛ قُبّعات بحروف إنجليزية ربما لأندية رياضية، ولعلها لكرة السلة الأميركية، فقد كان يلعب "السّلة" ويقفز عالياً، ويلتقط صورا واضعاً الكرة في السلة. ونديم يَسكُن قريبا من نادي "سريّة رام الله"، وفي السريّة التي تأسست العام 1930، كشافة، ورياضة، وفنون، وإعلام، وثقافة ومجتمع، لذلك، وربما هناك، كان أحد غطاءات رأسه في إحدى صُوره كوفيّة الكشافة. وربما لأنّ عمر زي الكشافة نحو مائة عام، كان نديم سعيدا جذلاً في طَرافَةٍ يَبدو عليها بزيّ من الماضي.    
يملك والده صالونا لقص الشّعر. وقبيل استشهاده أمام سجن عوفر برصاص صهيوني، كان الأب مع مدير مدرسته "السانت جونز"، السيد ريتشارد زنانيري، يعاتبان نديم الذي كان يَعِدهما بأنّه سيجتهد ويجتاز السنة المقبلة بجدارة. لكن والده أيضاً كان قد بدأ يستعين بنديم في الصالون، وكان الشهيد يأتي بالأصدقاء ويجرّب قصّ شعرهم. وطيفه الآن في الصالون، ولكن أمل والده أنّه سيساعده تحوّل إلى غصة.
ليس غريباً أن يُخاطبه صديقه، وهو يحمل له صورة يُخرج فيها لسانه، ويناجيه بعد استشهاده: "أعلم أنّك في مكان أفضل الآن.. ولكني أشتاق للهبل الذي كنّا نفعله".
أقسَمَت أم ساجي درويش، طالب جامعة بيرزيت من قرية بيتين، وهي تنوح: "والله يا ساجي يا حبيبي، والله قتلتني". وتخبر عن الابن الذي بدأت أمهات القرية يتصلن بها وقد عرفن نبأ استشهاده قبلها، فيدركن أنها لم تعرف، فلا يستطعن إخبارها وتنتهي المكالمات، ثم تسألهن: "لماذا تتصلن بي كلكن؟". تُكمل رواية القصة لفتاة: "والله يا أختي قلبي بوجعني.. تحمم وطِلع.. سمعت مثل الغربا.. لبس طاقيته وطلع.. والله يا حبيبي شعرك مبلول.. صلى المغرب وطلع". ركب جواده وخرج يطعم الخِراف، ثم حملناه على الأكف في ساحات الجامعة واستحق اسمه مكانا على هرم أسماء شهدائها.
في الجامعة طالب دراسات عليا اسمه خليل الرنتيسي، كتبَ عن عودته للجامعة بعد "البكالوريوس"، ولم يعد يمشي متمهلا كعادته يلقي التحية على كل من يعرف؛ فهو يأتي بعد عمله وهناك جيلٌ جديد لم يعرفه. ولكن بعد استشهاد ساجي سأل نفسه: هل رأيته؟ هل عرفته؟ فكتب: "عُدتُ أسير متمهلاً، متأملاً الوجوه، لعلي أتعرف على وجه الشهيد التالي"!
تسير في شوارع رام الله فترى مُراهقين ومراهقات بصخبهم ومرحهم، يلبسون قمصانا سوداء عليها صورة نديم، ويلفون أعناقهم بكوفيّات، والصورة على القميص الأسود لفتى يَضحَك مرتديا قُبّعة.
كيف تُصبح قبعة الشهيد تذكارا؟!
الآن، يلتقط "دانيال" الشقيق الصغير والوحيد لنديم، والذي قال له أبوه أنت الآن "بِكري"، يلتقط صورا مع قبعات شقيقه ويحتفظ بها، لأنها تذكره بابتسامته الجميلة. وتتحلق العائلة حول القبعات، وتتذكر أُم ساجي الشعر المبتلّ أسفل القبعة. 
الآن، كل زميل يخشى أن يكون زميله هو الشهيد التالي، وكل أستاذ يخاف أن يقسو على طالب يكون هو الشهيد التالي. والآن، تخشى من كل صورة أنها ستكون يوماً على جدار، وجزءاً من مشهد وأغنية.
الآن، تسير رشا شقيقة نديم في جامعة ساجي، وتشرح لها زميلتها محاضرات فاتتها. وبينما الأب يُناقش مع البعض متابعة قضية الأطفال الشهداء، ويناقش العريضة على "موقع AVAAS"، تخرج ابتسامة، لأن صوت الشقيقة يعلو وهي تدرس عن التغذية والشهيّة المفتوحة، ثم تكون العلامة 14.5 من 15؛ فالشقيقة تعتقد الآن أنها أخت شهيد ولا يجوز أن تكون درجاتها أقل!