لماذا تروج روسيا لقناة تربط تركيا بآسيا الوسطى عبر أراضيها؟

الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين - (أرشيفية)
الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين - (أرشيفية)

تقرير خاص - (أحوال تركية) 3/5/2021

يعيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إحياء مشروع بناء قناة مائية سوفياتية بين بحرين، والتي تربط تركيا بآسيا الوسطى. وفي الثلاثينيات من القرن الماضي، كان الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين قد فكّر في بناء قناة بين البحر الأسود وبحر قزوين لأن قناة الفولغا-الدون كانت تفتقر إلى العمق اللازم للتعامل مع السفن ذات السعة الكبيرة. لكن الحرب العالمية الثانية أجبرته على التوقف، ثم التخلي عن هذا الحلم، وفقاً لدراسة أعدها بول جوبل لموقع مؤسسة جيمس تاون.اضافة اعلان
يقول جوبل: "بالاعتماد على شركة مقرها دبي، سيتم إنشاء طريق مائي بين تركيا وآسيا الوسطى عبر الأراضي الروسية، وكذلك التفكير في تطوير نظام قناة جديد عبر شمال القوقاز. ولا يعِد هذا النظام بتقليل أهمية التغييرات الجيوسياسية في جنوب القوقاز الناجمة عن الجولة الأخيرة من القتال الأرمني الأذربيجاني فحسب، ولكن أيضًا إلى زيادة دور روسيا كشريك في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية لربط آسيا وأوروبا. وقد أطلقت شركة دبي بالفعل مشروع الممر المائي الخاص بها -تتحرك سفنها الآن عبر الأنهار والقنوات الداخلية الروسية الموجودة مسبقًا. لكن القناة الجديدة المقترحة تواجه عقبات هائلة -ليس طبوغرافية فقط، وإنما سياسية وعرقية أيضاً- ما يجعل من غير المرجح أن يتم تنفيذها في المستقبل القريب. ومع ذلك، فإن هذه التحركات الأخيرة على رقعة الشطرنج الجيوسياسية في القوقاز لها تأثير مسبق".
في الأسبوع الماضي، أعلنت شركة "بي آند أو لوجستيك" ومقرها دبي، والتي تمتلك حوالي 400 سفينة شحن، عن افتتاح طريق جديد لشحن حاويات البضائع بين إسطنبول وآسيا الوسطى باستخدام الممرات المائية الداخلية في البحر الأسود وروسيا مثل قناة الفولغا-الدون، ثم عبر بحر قزوين إلى كازاخستان وتركمانستان. وقد رحب المسؤولون الروس والأتراك بهذا التطور. ومع ذلك، فشلت دول أخرى في المنطقة المتأثرة بها، بما في ذلك أذربيجان وإيران حتى الآن في الرد علنًا، على الرغم من أن كلاً منهما قد تجد دورها الجيوسياسي محدودًا. وقد يتم الآن نقل التجارة بين الشرق والغرب عبر الأراضي الأذربيجانية والإيرانية إلى الشمال.
يحدد إعلان الشركة أنها ستستخدم قناة الفولغا-الدون، لكنه لا يشير إلى كيفية تأثير ذلك على السرعة، وبالتالي على سعر مرور الحاويات على طول الطريق. وفي الوقت الحالي، لا يمكن للسفن التي تستخدم القناة بعمق كبير، وهو قيد من شأنه أن يمنع استخدام السفن الكبيرة لهذا الممر المائي. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر أهمية هو أن الطريق مفتوح الآن ولا يعتمد على إعادة فتح السكك الحديدية في جنوب القوقاز أو على بناء ممرات نقل جديدة. وعلاوة على ذلك، فإنه يعيد موسكو إلى اللعبة الحاسمة لحركة مرور الحاويات. وكانت روسيا قد ركزت، حتى الآن، على الشحنات السائبة، والتي تتراجع أهميتها.
ويقول جوبل: "من المتوقع أن يؤدي هذا المسار المائي الجديد إلى زيادة كبيرة في حركة الحاويات بين تركيا وآسيا الوسطى، وبالتالي (من المحتمل على الأقل) بين الصين وأوروبا. وفي الوقت نفسه، يعطي إعلام "بي أند أو" دفعة جديدة لخطط موسكو لتجريف قناة الفولغا-الدون حتى تتمكن من التعامل مع السفن الأكبر حجمًا. كما أنه يعزز مناقشات الكرملين حول إنشاء قناة جديدة بين بحر قزوين والبحر الأسود. وعلى الرغم من أن المسار الجديد سيتجاوز الممر المائي الحالي، إلا أنه سيساعد على الحفاظ على هذا الطريق التجاري الدولي بين الشرق والغرب بالكامل على الأراضي الروسية بدلاً من تحويله إلى حركة مرور متعددة الوسائط عبر أذربيجان أو إيران".
على مدى الأشهر القليلة الماضية، بدأ المحللون المقربون من الكرملين الحديث مرة أخرى عن بناء قناة جديدة عبر شمال القوقاز. وفي مقال صدر مؤخرًا عن "سفوبودنايا برسا"، يجادل المحلل الاستراتيجي في موسكو، ألكسندر سيتنيكوف، بأن غمر قناة الفولغا-الدون جعلها ضحلة جدًا في أشهر الصيف للتعامل مع معظم السفن. وبالتالي، فإن ممرًا مائيًا جديدًا من صنع الإنسان سيمثل اختراقًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا لبوتين. ويقر سيتنيكوف بأن القناة الجديدة قد تكلف ما يصل إلى 18 مليار دولار. ومع ذلك، فإن ما يسمى بقناة أوراسيا ستختصر المسافة التي تقطعها السفن بين البحرين من أكثر من 1000 كيلومتر إلى 680-850 كيلومترًا، وبالتالي تقليل الوقت اللازم للمرور. ولذلك من المفترض أن يتم استرداد قيمة الاستثمار بسرعة.
يشير ظهور مقال سيتنيكوف إلى أن موسكو تفكر مرة أخرى بنشاط في بناء القناة عبر شمال القوقاز. وقد فكرت السلطات الروسية مثل هذا المشروع الضخم قبل ستة أعوام لكنها أجلته في ذلك الوقت. ولم تكن التكلفة حجر عثرة كبير فحسب، بل تمحورت مخاوف أخرى حول التوترات المتزايدة بين موضوعين اتحاديين؛ جمهورية كالميك وداغستان، حول المسار والسيطرة على ميناء بحر قزوين في الطرف الشرقي للقناة المقترحة. وقد خفت حدة التوترات الآن، وتم التوصل إلى حل وسط: وفقًا لآخر الخطط، ستعبر قناة أوراسيا عبر كالميكيا، كما يريد إليستا، لكن داغستان ستسيطر على منفذ الدخول/ الخروج الشرقي، كما أصر ماخاتشكالا.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن ثلاثة تطورات أكبر كانت وراء اهتمام موسكو المتجدد. أولاً، كانت روسيا تنقل سفن أسطول بحر قزوين ذهابًا وإيابًا بين القاعدة الرئيسية لتلك الوحدة البحرية وبحر آزوف/ البحر الأسود للضغط على أوكرانيا. وستسمح قناة جديدة أكبر لموسكو بإجراء عمليات إعادة الانتشار هذه بسرعة أكبر. ومن خلال جعل المشروع أولوية للأمن القومي، يمكن للكرملين تجنب أي اعتراضات محلية على التكلفة المتوقعة.
ثانيًا، تشعر روسيا بقلق متزايد بشأن الجهود الصينية والأذربيجانية والإيرانية لتعزيز التجارة بين الشرق والغرب، والتي تتجاوز الأراضي الروسية. وقد اكتسبت هذه الجهود أهمية لأن هذه الدول تعتمد بشكل أساسي على حركة الحاويات متزايدة الأهمية بدلاً من الشحنات السائبة التي ركزت عليها موسكو. ومن خلال فتح قناة جديدة، يمكن أن تصبح موسكو طريقًا رئيسيًا لحركة الحاويات عبر أوراسيا.
وثالثاً، استأنفت إيران المحادثات حول العمل مع روسيا لبناء قناة بين بحر قزوين والخليج العربي. وسيكون هذا المشروع أكثر جاذبية لموسكو إذا تم ربطه بقناة شرق-غرب روسية عبر شمال القوقاز. وأحد المؤشرات على العلاقة بين هذين المشروعين هو أن طهران تحدثت عن مثل هذه القناة قبل خمس سنوات، بينما كانت موسكو تناقش مشروع قناة عبر شمال القوقاز، لكنها تخلت عن الفكرة عندما بدا أن روسيا أوقفت خططها.
ويقول جوبل: "من الواضح أن أياً من هذه القنوات لن تكتمل في أي وقت قريب. ومع ذلك، فقد يكون عبئها المالي أقل الآن إذا توسعت موسكو في خططها لاستخدام العمالة الرخيصة من نزلاء السجون في أعمال البناء، حيث ترسل روسيا حاليًا سجناء للعمل على خط سكة حديد بايكال-أمور الرئيسي، ويمكن أن تفعل الشيء نفسه بسهولة في مشاريع إنشاء القنوات".