لماذا تندلع الحروب؟ الجرثومة الدموية

سيفر بلوتسكر -يديعوت احرونوت

لماذا تتقاتل الدول والشعوب الواحد ضد الاخر؟ كان للماركسيين جواب جاهز لمسألة مسائل الجنس البشري: الحرب تندلع لانها تخدم الرأسماليين، اصحاب المال، الصناعيين، قامعي الطبقة العاملة. ومن هنا الاستنتاج: الغاء الرأسمالية سيلغي الحروب. في غياب المصالح الاقتصادية لصنع الحروب، فانها لن تندلع. الطبقة العاملة الدولية ستتغلب بسهولة على القومية، العنصرية، التطلعات الاقليمية والامراض الوراثية الأخرى للرأسمالية. اضافة اعلان
ولكن الطبقة العاملة لم تقبل الشيوعية الماركسية باذرع مفتوحة؛ عشرات ملايين الناس صفوا لفرضها بالقوة، إلى أن سقطت. القومية، بالمقابل، لم تختف، بل تعززت. الحروب، بين وفي داخل الدول، بين وفي داخل الاديان، بقيت تميز الانسانية.
التفسير الاقتصادي – الطبقي، المصلحي للحروب ثبت كتفسير مغلوط، ولم يعد مقبولا على الباحثين باستثناء حفنة مؤمنين يتمسكون بـ "الماركسية الصرفة". الحروب، كما يعتقد كل الاخرين، تبدأ وتستمر بسبب جملة من الاسباب والدوافع، بينها الكراهية والايمان، التحريض والتشهير، حرمان حقوق الاخرين والرغبة الحيوانية في تصفيتهم. وهي تخدم – احيانا بشكل مباشر، واحيانا بشكل غير مباشر – انظمة الطغيان على أنواعها.
وبالذات الديمقراطية الليبرالية، كما تبين لعلماء السياسة، تمنح الحصانة الاكثر جدوى ضد جرثومة الحروب الفتاكة: يكاد لا تكون دولتان ديمقراطيتان تخوضان فيما بينهما حربا طويلة. واحتمالية المواجهة العسكرية المضرجة بالدماء بين ديمقراطيتين ليبراليتين متدنية للغاية. ليس مفاجئا، لان المبدأ الأساس في طريقة الحكم الليبرالية هي الحل الوسط الذي يأتي من خلال المفاوضات.
كما أن المواجهة اليهودية – الفلسطينية لا تنبع من مصالح اقتصادية – طبقية ولا تتحرك بها. فهذا ليس نزاعا على مقدرات طبيعية أو على وسائل انتاج أو على ميزانيات الأمن، ولا حتى على مستوى معيشة. لا تقوده نقابات، ولا مجموعات مصالح اقتصادية تغذي ناره. وهو موجود بسبب مشاعر قومية ودينية قوية لا مثيل لها.
ان رفض المشاعر القومية الصادقة للخصم ليس سلاحا جديدا؛ فهو ظاهرة قديمة حتى التعب. ومع ذلك، فان غير قليل من الإسرائيليين، بمن فيهم وزراء في الحكومة، لا يزالون يفكرون بتعابير تلك الماركسية الرخيصة والفظة. وهم يقولون: "هيا نرتب للفلسطينيين حياة اقتصادية معقولة، فيسلموا بالواقع الحالي". وبرأيهم، نحن فقط، اليهود، لنا تطلعات قومية ودينية منشودة لا يمكن الغاؤها بالمال. نحن لا نشترى. اما الفلسطينيون فيمكن شراؤهم.
لا، لا يمكن. الانتفاضة الثانية اندلعت بالذات عندما كان الوضع الاقتصادي للفلسطينيين هو الافضل من اي وقت مضى. عدد السكان اليهود في المناطق تضاعف بالذات عندما كانت الشقق في كفار سابا زهيدة الثمن نسبيا.
سخيف ومضلل تبسيط تعقيد المواجهة الدموية بين حركتين قوميتين – دينيتين، ايديولوجيتين إلى حساب بنك أبو مازن وتقاعدات قادة الجيش الإسرائيلي. صحيح أنه هناك من يكسب اقتصاديا من الجمود ومن استمرار النزاع العنيف ، ولكن هناك أكثر، اغلبية ساحقة، ستكسب من انهائه وانهاء الاحتلال. مكاسب السلام اعلى بما لا يقاس من مكاسب الحروب. وعليه، لو كان الاعتبار الاقتصادي هو الحاسم، لكان السلام يسود منطقتنا منذ زمن بعيد.  وهو لا يسود لان الخوف من المتطرفين يشل الباحثين عن الحل الوسط، يتسلل إلى اعتباراتهم. وهم يرتعدون: ماذا سيقولون في "الشارع"؟ ماذا سيدعون في المواقف على الفيسبوك؟ الاف المعقبين بالتأكيد سيتهموننا بأنه من أجل مصالح اقتصادية بعنا المثال القومي والديني.
كان ينبغي معالجة المعقبين العنيفين منذ زمن بعيد؛ فاذا لم نوقف السم فانه سينتشر. والتطرف لن يهزم بتجاهله، الخوف منه أو شتمه. فقط بالمواجهة العلنية معه. فقط بالصراع ضده والذي سيرص صفوف الاغلبية المعتدة. هذا ليس موضوعا لمعالجة الشرطة، بل موضوع لمعالجة النظام الذي نريد أن نعيش فيه.