لماذا حماس وإسرائيل وأميركا ضد " الدولة الفلسطينية"؟

انتظرت حركة حماس عدة أشهر حتى أوقفت التضارب في موقفها من قرار السلطة الفلسطينية بالذهاب إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية المستقلة، وأعلنت عبر المجلس التشريعي في غزة، والذي يضم أعضاءها فقط، موقفها الرافض للخطوة الفلسطينية. فبعد تضارب في المواقف لقيادات الحركة بين مؤيّد بحذر أو غير ممانع للتوجه إلى المنظمة الدولية وآخر معارض، رست "حماس" خلال اليومين الماضيين على قرار الرفض الذي ترافق مع حملة تصعيد، حيث تطوع القيادي في الحركة صلاح البردويل ليحذّر من "نجاح" خطوة السلطة التي رأى أنها "خطوة تكتيكية تحريكية، وجزء من عملية التفاوض وليست جزءاً من مبادئ"، وزاد على ذلك أن الحركة "ستمنع أي تحرك شعبي في قطاع غزة لمناصرة التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة".اضافة اعلان
موقف حماس جاء خوفا من أن يضع التوجه إلى الأمم المتحدة مصير "حق العودة" في خطر، لكن حماس تعرف جيدا أن هذا التخوف ليس في مكانه لأنه من الناحية القانونية لا صلة مباشرة بين تطبيق القرار 181 الذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين، والذي يشكل الآن الأساس القانوني لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وبين حق العودة وبقاء وكالة الغوث.
فالوكالة وجدت بموجب القرار 302 العام 1949، بعد أن ماطلت إسرائيل وتقاعست عن تطبيق القرار 194، الذي نص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم.
وإذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها اعتبرت الوكالة منظمة مؤقتة وغير دائمة فذلك لأنها اعتبرت اللجوء حالة غير دائمة، وأكدت في السياق وجوب عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم، ورهنت بقاء الوكالة ببقاء حالة اللجوء، كما رهنت حل الوكالة بتنفيذ القرار 194 للعام 1948. لذلك تكتفي الجمعية العامة دورياً بتجديد تفويضها لوكالة الغوث مرة كل ثلاث سنوات، مؤكدة أن هذا التفويض لا يمس حق اللاجئين في العودة.
والملاحظ أن المنظمة الدولية في جمعيتها العامة دأبت على هذا المنوال حتى قبل ولادة منظمة التحرير الفلسطينية، وقبل الاعتراف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وقبل الاعتراف لهذا الشعب بتقرير مصيره بما في ذلك حقه بالاستقلال وبدولة ذات سيادة؛ وهو ما يؤكد مرة أخرى، وفي سياق تطور موقف المجتمع الدولي من الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، أن قيام دولة مستقلة في الضفة الفلسطينية وفي قطاع غزة بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 67، وعاصمتها القدس، ليس من شأنه أن يمس حق العودة أو يلغيه، فالدولة الفلسطينية تأتي في سياق معالجة نتائج حرب حزيران 67، أما عودة اللاجئين فإنها تأتي في سياق معالجة نتائج حرب 1948 واستكمال تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة. موقف حماس أيضا جاء في ظل الهجمة الأميركية والإسرائيلية على التوجه الفلسطيني، حيث يحضر الإسرائيليون أنفسهم لاستحقاق أيلول أمنياً وسياسياً. فعلى الصعيد الأمني وضعت خطة لمجابهة أي تطور يشهده الشارع الفلسطيني في الضفة والقطاع أو على الحدود، وعلى الصعيد السياسي تغازل إسرائيل مصر داعية إلى التهدئة بعد اقتحام سفارتها في القاهرة، وتغازل تركيا رغم التصريحات النارية لرئيس وزرائها أردوغان، كل ذلك من أجل التفرغ لمعالجة العلاقة مع الفلسطينيين، بحيث تمتلك تل أبيب خطة هجومية.
أما الولايات المتحدة فتعتبر استحقاق أيلول معركتها الخاصة؛ لذلك فهي مصرة على استعمال حق الفيتو في مجلس الأمن ضد الطلب الفلسطيني.
والجانب الأوروبي هو الآخر لم يقف ساكناً، ومايزال يتحرك بحثاً عن صفقة تضمن له أكثر من هدف في الوقت نفسه، بحيث يرضي الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين والعرب. ملامح الصفقة الأوروبية كما بدأت تتبلور تتمثل بالتالي: أن تقنع الرئيس عباس بتجاوز عقدة مجلس الأمن والذهاب فوراً إلى الجمعية العامة. صحيح أن هذا يعطي للدولة الفلسطينية مقعداً "بلا رقم"، لكنه يعطيها صفة الدولة، ويعطيها عضوية عدد من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة (وهو ما يطلق عليه نموذج دولة الفاتيكان).
مقابل هذا الموقف الفلسطيني تكون واشنطن قد تجاوزت الإحراج مع العرب عند اللجوء إلى الفيتو في مجلس الأمن، وتكون أوروبا هي الأخرى قد تجاوزت الإحراج المزدوج مع الولايات المتحدة ومع العرب في الوقت نفسه.