لماذا طردت "سي. إن. إن" معلقاً لأنه يؤيد الفلسطينيين؟

Untitled-1
Untitled-1
ترجمة: علاء الدين أبو زينة كورنيل ويست* - (الغارديان) 4/12/2018 لا أحد يقترب من السلام أكثر عن طريق إسكات الأصوات المنتقدة للوضع الراهن القاتل. إننا في حاجة إلى حوار صريح حول الكارثة القاتمة التي تتكشف في إسرائيل/ فلسطين. * * * لماذا يبدو من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إقامة حوار حول الكارثة الفلسطينية-الإسرائيلية القاتمة التي تسود بيننا؟ ما الذي يقف في طريق قدرتنا على فهم الحاجة التي لا يمكن إنكارها إلى العدالة للفلسطينيين والخوف المفهوم من القضاء على اليهود في إسرائيل؟ هل يكون الخيار الوحيد هو خوض نضال فلسطيني معاكس عنيف ضد العنف الهيكلي والعسكري الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلية؟ يفتح قيام محطة "سي. إن. إن" مؤخراً بطرد مارك لامونت هيل بسبب دعوته إلى فلسطين حرة مرة أخرى صندوق البندورة هذا -مع بقاء القليل من الأمل، إذا كان ثمة أمل، في التوصل إلى حل غير عنيف للصراع. وينظر الكثيرون من أنصار حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، مثل هيل وأنا، إلى هذه الاستراتيجية باعتبارها جهد اللحظة الأخيرة لتجنب المزيد من سفك الدماء. وهذا مهم بشكل خاص في السياق الأميركي؛ حيث يذهب مبلغ 3.1 مليار دولار من المساعدات العسكرية الآن إلى إسرائيل لدعم هذا الاحتلال غير العادل وغير الإنساني. مع ذلك، يجب أن نثابر ونصر على تحرير الفلسطينيين وتأمين اليهود في إسرائيل. يجب أن نضع الإنسانية الغنية للفلسطينيين واليهود في إسرائيل في مركز الصدارة عن طريق إبراز دعواتهم المتساوية للاحترام والعدالة والمساءلة. وتعني هذه المساواة، أولاً وقبل كل شيء، وقفاً كاملاً لإسكات الأصوات النزيهة والمتعاطفة التي تنتقد الوضع الراهن القاتل. كانت كلمة هيل التي ألقاها في الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني محاولة جريئة لإلقاء الضوء على المعاناة الرهيبة واللامبالاة القاسية اللتين يواجههما الشعب الفلسطيني. وبالبناء على التقليد الفلسطيني البطولي للنقد والمقاومة -الذي تجلى أفضل ما يكون في كلمات وحياة إدوارد سعيد في السياق الأميركي- قام هيل بتعرية الوضع الراهن السُمّي وتلقى ردة الفعل غير المفاجئة: تم تصويره كمعادٍ للسامية وإسكاته على الفور في وسائل الإعلام السائدة. وبالنسبة لمنتقدي إسرائيل من السود، تون مثل هذه الهجمات خطيرة بشكل خاص بالنظر إلى التاريخ الحميم والمحفز للعلاقات بين السود واليهود في الولايات المتحدة، والمكانة الهائلة التي يتمتع بها مناضلو الحرية السوداء في كل أنحاء العالم. ويشهد مناخ الرأي العالمي تحولاً ضد الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل في معاملتها للفلسطينيين. وغني عن القول إنه لا بد أن يكون هناك بعض الحساب. ولا يمكن أن تنتصر هذه الجرائم والأكاذيب إلى الأبد. والتحدي الحاسم هو الكيفية التي سيؤدي بها هذا الحساب -ويجب أن يفعل- إلى التقليل من العنف ومشاعر الخوف من الآخر (سواء كانت مناهضة للفلسطينيين أو مناهضة لليهود). يفضل هيل -مثل سعيد- دولة علمانية ديمقراطية تحترم مواطنيها اليهود والفلسطينيين على حد سواء. كما أنني أجد هذا الخيار مرغوباً أخلاقياً. ولكن، هل هو ممكن في حالة شعبين يحملان مثل هذه العداوة تجاه بعضها البعض؟ وبالإضافة إلى ذلك، فإن التاريخ الفريد لليهود في العالم -من العبودية في مصر، إلى الغيتوهات في العصور الوسيطة، إلى الطرد، والمذابح، والحرق، والهولوكوست في القرن العشرين- يضمن وجود مشاعر الشك تجاه أي وضع يكون مصحوباً بالعداء القاسي. ويشكل تأمين الأمن لليهود واقعاً لا يقبل التفاوض في عالمنا الكاره لليهود -في الماضي والحاضر والمستقبل. ومع ذلك، لن يكون هناك أي أمن يهودي في دولة إسرائيلية تحتل الفلسطينيين وتهيمن عليهم. كانت اللحظة الأكثر إثارة للجدل في خطاب هيل الجريء في الأمم المتحدة هي دعوته إلى "فلسطين حرة من النهر إلى البحر". وقد صور معظم الصهاينة والكثير من الآخرين هذه الكلمات على أنها معادية لليهود، والتي تدعو إلى تدمير الدولة الإسرائيلية، أو حتى إلى الإبادة الجماعية لليهود. ويدل سوء الفهم الجسيم وسوء التفسير من هذا النوع على المخاوف العميقة وذكريات الهجمات الشرسة والاعتداءات البشعة على الشعب اليهودي. وتشكل تلك المخاوف والذكريات جزءاً مما يعنيه كون المرء يهودياً، ويجب احترامها. ومع ذلك، فإنه لا ينبغي استخدامها أبداً كعذر لتجاهل المعاناة الفلسطينية أو كتسويغ لاحتلال الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وكان هذا بالضبط هو ما حدث. لم يكن القصد من كلمات هيل -ولو أن منظمة التحرير الفلسطينية وحماس تستخدمانها- أن تكون معادية للسامية أو دعوة إلى الإبادة الجماعية. وعلى الصعيد الشخصي، فإنني متأكد، بعد معرفته والعمل معه عن قرب لأكثر من 20 عاماً، أن هذه الكلمات لم تكن دعوة ضمنية ولا صريحة إلى الإبادة الجماعية لليهود. إن هيل، مثلي تماماً، منزعج بشدة من الكمات والأفعال المعادية لليهود، والتي تتصاعد في مختلف أنحاء العالم. ويجب معارضة هذا الاتجاه بقوة -سواء كان ذلك في بيتسبيرغ، أو باريس، أو الضفة الغربية- لكنه لا يجب أن يخفي التعاسة التي يختبرها الفلسطينيون تحت حكم الدولة اليهودية هذا الوضع الراهن -هذا البيت من ورق- لا ينبغي أن يدوم المفارقة الكبيرة هي أن إحدى أكبر الهدايا التي قدمها الشعب اليهودي إلى العالم -الهبة الثمينة المتمثلة في التراث النبوي، من موسى إلى عاموس إلى إيستر -وفي الأوقات الحديثة، الحاخام أبراهام جوشوا هيشِل- تضع العدالة للجميع في مركز أي رؤية للعالم. وتتطلب مثل هذه العدالة الاحترام، والمساواة، والمساءلة للناس، كل الناس، ومن الناس. وعندما يتم سحق هذا التراث الذي لا يقدر بثمن بفعل الرأسمالية المفترسة، فإن الكراهية التي تصاحب القوميات القبَلية، والطمع الجبان للإمبراطورية الأميركية، فإننا نحصل على الكارثة الإسرائيلية-الفلسطينية القئمة الآن. ويشكل التجاهل الهائل للأرواح البريئة، سواء كانت من آلاف الفلسطينيين أو مئات اليهود، علامة على الانحطاط الأخلاقي. وهذا الوضع الراهن -هذا البيت من ورق- لا يمكن أن يصمد. مثل غيرها من الدول الأخرى، إما أن تواصل الدولة الإسرائيلية المسير على طريق الاستبداد والخوف من الآخر، أو أنها ستعتنق تفكيك الاحتلال، وإعطاء حقوق المواطنة الكاملة للفلسطينيين في إسرائيل، وتوفيق الأرض والعدالة لهم بشكل من الأشكال. وعلى عكس هيل، فإنني لا أتوقع قيام دولة واحدة علمانية وديمقراطية لكلا الشعبين -ولو أنني أعتقد، مثله، بأنها ستكون الخيار الأفضل إذا أمكن تحقيقه. لكنني أرى فرصة لفلسطينيين أحرار وآمنين ويهود إسرائيليين أحرار وآمنين أيضاً، مع احترام حقيقي للذات وحق تقرير المصير، والذين لا يسترشدون فقط بالمخاوف والذكريات المؤلمة، وإنما أيضاً بالآمال والرؤى الملهمة للعدالة في كل من دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية، مع سيادة أصيلة وحقيقية في كلتيهما. ولا يمتلك هيل ولا أنا الإجابة لحل هذه الكارثة، ولكن أحداً لا يمكن أن يصبح أقرب إلى الحل السلمي عن طريق شيطنة وإسكات الأصوات المنتقدة لوضع راهن قاتل. *فيلسوف أميركي، ومؤلف وناقد، وممثل، وناشط في مجال حقوق الإنسان، وعضو بارز في منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين الأميركيين. وهو أستاذ ممارسة الفلسفة العامة في جامعة هارفارد. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Why did CNN fire a pro-Palestinian commentator?اضافة اعلان