لماذا لا تتناسب أسعار الكهرباء طرديا مع أسعار النفط في الأردن؟

بقلم: م. هالة زواتي*

يتساءل البعض لماذا تزيد الحكومة من سعر الكهرباء بالرغم من انخفاض اسعار النفط؟، ولماذا لم تنخفض أسعار تكلفة الكهرباء على الحكومة بنسب قريبة من انخفاض أسعار النفط؟، ولماذا بدلا من الزيادة في الأسعار لم يكن هناك نقصان في الأسعار؟؛ حيث ان اسعار النفط هبطت بشكل كبير، وبالتالي كان الأولى على الحكومة تخفيض الاسعار لا زيادتها.اضافة اعلان
فلماذا حدث ما حدث وما يزال يحدث؟
للإجابة عن هذه الاسئلة، هناك أسئلة أخرى يجب ان تطرح وهي: كم سعر تكلفة توليد الكهرباء؟، كم سعر الكهرباء واصلة للمستهلك؟، ما السبب في ارتفاع سعر هذه التكلفة؟.
لقد بلغ معدل سعر شراء الكهرباء لكل ك.و.س من شركات توليد الكهرباء في عام 2013، وحسب التقرير السنوي لشركة نيبكو، حوالي 124.7 فلس، كما بلغ سعر ال ك.و.س واصلا للمستهلك حوالي 178 فلسا، وحسب ارقام الحكومة بلغ معدل سعر بيع ك.و.س للمستهلك حوالي 88 فلسا أي بخسارة مقدارها 90 فلسا لكل كيلو واط مباع، وهو رقم كبير جدا يتطلب من الحكومة دعما كبيرا للكهرباء والذي تخطى 2 مليار في عام 2014 حسب الارقام الحكومية.
 لننظر الى اسعار تكلفة ال ك.و.س في دول أخرى كي نرى ان كان سعر التكلفة لدينا عاليا أم لا!
ان سعر تكلفة ك.و.س في كندا واصلا للمستهلك هو 8.8 سنت اي 55 فلسا وفي اميركا 9 سنتات اميركية أي حوالي 64 فلسا وفي انجلترا حوالي 12.5 سنت اميركي أي حوالي 88 فلسا، وفي المانيا وهي من أعلى اسعار دول العالم بسبب استخدام الطاقة المتجددة، ما سبب في ارتفاع سعر التكلفة في المانيا الى 15 سنتا اميركيا اي حوالي 106 فلسات أما في الأردن فهو 178 فلسا وهو الاعلى في العالم ؟!
لنعد الان الى السؤال الاهم، وهو "ما السبب في ارتفاع سعر التكلفة على الحكومة؟"، هناك يكمن مربط الفرس. ولنتفحص العوامل التي تدخل في تركيبة سعر الكهرباء الواصلة للمستهلك، وهي؛ تكلفة مصادر الطاقة (كالنفط والغاز والطاقة المتجددة والصخر الزيتي والنووي ... الخ)، تكلفة التوليد من شركات توليد الكهرباء (كشركة التوليد المركزية وشركة السمرا وشركات التوليد الخاصipp1
وipp2وipp3)، تكاليف توزيع الكهرباء على المستهلكين (والذي يشمل تكلفة التوزيع مضافا اليه سعر الفاقد الفني وغير الفني (أي السرقات) في شبكات التوزيع)، التكاليف التشغيلية لشركة الكهرباء الوطنية.
اولا: تكلفة مصادر الطاقة
ان تكلفة مصادر الطاقة المستخدمة في الاردن عالية جدا، لأن الاردن يستخدم اليوم النفط الثقيل لإنتاج الكهرباء لسد معظم احتياجاته، واستخدام النفط كمصدر لتوليد الكهرباء هو من أغلى البدائل، والسبب في لجوئنا اليه اننا وفي عام 2011 وعند بداية الربيع العربي كنا نعتمد اعتمادا كبيرا على الغاز المصري ( والذي كان يصلنا بأسعار تفضيلية) كمصدر للطاقة لتوليد الكهرباء وكان سعر تكلفة انتاج ال ك.و.س في عام 2011 هو 52 فلسا، ولكننا اضطررنا الى التحول الى النفط الثقيل عندما انقطعت امدادات الغاز وبالتالي اصبح سعر انتاج ك.و.س حوالي 124.7 فلس ( وهو من اعلى اسعار انتاج الكهرباء في العالم).
ان انقطاع امدادات الغاز المصري خارج عن سيطرتنا، وبالتالي فإن التحول نحو النفط في عام 2011 لتوليد الكهرباء كان خيار "مكره أخاك لا بطل"، ولكن ذلك حدث عام 2011 أي قبل 4 سنوات وكان حلا اضطرارياً.
المحزن هو اننا ولغاية الان ما نزال نعتمد بشكل كبير على انتاج الكهرباء باستخدام النفط الثقيل. صحيح ان الأردن سعى في السنوات الأخيرة الى البحث عن البدائل من الغاز السائل والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة والصخر الزيتي والطاقة النووية، ولكننا وحتى يومنا هذا نعتمد على النفط الثقيل في إنتاج الكهرباء، ذلك ان تحرك الاردن للبحث عن البدائل وفي السنوات الأربعة الماضية كان بطيئا جدا، والدليل اننا ما نزال وحتى اليوم ننتج معظم الكهرباء في الاردن باستخدام النفط الثقيل.
موضوع آخر يندرج تحت تكلفة مصادر الطاقة وهو كفاءة مصفاة البترول الأردنية، وهنا لا بد من الإشارة الى أنه كلما قلت كفاءة المصفاة زادت تكلفة التكرير وبالتالي تكلفة المشتقات البترولية مما يرفع من تكلفة توليد الكهرباء.
هناك من يقول باننا محظوظون بسبب انخفاض اسعار النفط الحالي؛ حيث اننا نعتمد عليه بشكل كبير لتوليد الكهرباء، وعليه "كان على الحكومة تخفيض اسعار الكهرباء لا زيادتها"، فلماذا لم يحصل ذلك؟، الجواب هو ان انخفاض اسعار النفط اثر فعلا في انخفاض أسعار توليد الكهرباء ولكن ليس بنفس مقدار نسبة انخفاض النفط وهنا يأتي دور العوامل الأخرى التي تؤثر في تكلفة انتاج الكهرباء.
ثانيا: سعر تكلفة التوليد من شركات توليد الكهرباء
وهنا مربط فرس آخر؛ حيث ان بعض محطات توليد الكهرباء في الاردن هي محطات قديمة وعفا عليها الزمن، ولذا فإن كفاءة انتاجها منخفضة، وكما نقول في العامية "بتاكل زيت"، وعليه فإن كميات النفط المطلوبة لإنتاج نفس كميات الكهرباء في المحطات الجديدة (ذات الكفاءة العالية والتقنية الأفضل) هي أكبر وعليه يكون سعر انتاج ك.و.س في المحطات القديمة أكبر، تتحمله الحكومة و"أخي المواطن". لذا فإن أحد الأمور المهمة هنا ضرورة تحديث هذه المحطات أسوة بغيرها من المحطات الجديدة التي دخلت الخدمة في السنوات الأخيرة.
ثالثا: تكاليف توزيع الكهرباء على المستهلكين
 حيث تتكون هذه من تكلفة التوزيع التي تتقاضاها شركات التوزيع الثلاث وهي تكلفة متفق عليها ضمن اتفاقيات مسبقة ما بين الحكومة وشركات التوزيع، كما تتكون من فاقد الكهرباء على شبكات توزيع الكهرباء وهو مربط فرس آخر، والفاقد هنا هو فاقد فني بسبب الشبكة والآخر هو فاقد بسبب السرقة وكلاهما يساهم في ارتفاع كلفة ك.و.س واصلا للمستهلك، فكلما ازادت سرقات الكهرباء من بعض المستهلكين زادت من سعر تكلفة الكهرباء على الحكومة اولاً وعلى المستهلك ثانياً؛ وخاصة المستهلك الذي يتحمل الزيادة في السعر ( مثل الجامعات والمدارس والفنادق والمستشفيات والبنوك والجوامع وشركات الاتصالات والصناعات الاستخراجية وغيرها) ، وبالمقارنة مع المعدل العالمي لفاقد الكهرباء وهو 6 % نجد بأن نسبة الفاقد  في الأردن تصل الى 16 % (في بعض المناطق) هي من أعلى النسب في العالم.
رابعاً: التكاليف التشغيلية لشركة الكهرباء الوطنية؛ وهو أمر أتركه للمسؤولين للتعليق عليه
اذن، حتى لو واصل سعر النفط انخفاضه سيبقى سعر الكهرباء في الاردن مرتفعاً، طبعا سيكون هناك انخفاض في التكلفة لكنه لن يوازي نسبة الانخفاض في اسعار النفط، أي ان كنا نتحدث عن انخفاض النفط بنسبة 50 ٪، لن ينعكس ذلك بنسبة  50 ٪ على سعر الكهرباء وذلك لكل الأسباب التي ذكرت اعلاه. 
والدليل على ذلك أن الحكومة اليوم تقول بأن سعر تكلفة (وليس بيع) ك.و.س واصلا المستهلك أصبح حوالي 150 فلسا وذلك بالرغم من انخفاض اسعار النفط الى النصف تقريباً، أي ان نسبة الانخفاض في اسعار تكلفة الكهرباء لا تتعدى 16 ٪ بالرغم من انخفاض اسعار النفط حوالي 50 ٪، فما الذي حدث وكيف؟ الجواب هو ان سعر التكلفة لا يعتمد فقط على سعر النفط كما ذكرت آنفاً بل يعتمد على عوامل أخرى بمقدور الأردن التحكم بها وتحسينها ليتمكن من تخفيض اسعار الكهرباء.
عودة الى السؤال "لماذا لم تنخفض أسعار تكلفة الكهرباء على الحكومة بنسب قريبة من انخفاض أسعار النفط؟"، الجواب الان واضح، لأننا ومع انخفاض اسعار النفط ما تزال تكلفة ال ك.و.س اعلى من معدل سعر بيعها للمستهلك وما تزال الحكومة تدفع دعماً للكهرباء، وجميع ما ذكر في هذا المقال يبين لماذا تكلفة الكهرباء في الاردن من اعلى التكاليف في العالم.
 اليوم، على الأردن أن يستغل فرصة انخفاض اسعار النفط ليستعيد توازنه فيما يعنى بقطاع الطاقة، اليوم على الأردن ان يستثمر الوفر (وهو الوفر في خسائر قطاع الطاقة وليس الوفر المطلق) ويستثمره في:
-توفير مصادر طاقة بديلة للبترول والتي يجب ان تكون رخيصة، مستمرة (لا تنقطع وتتذبذب بسبب الاحوال السياسية في المنطقة)، محلية قدر المستطاع (لنتمكن من تحقيق اكبر قدر من الاستقلال)، نظيفة إن أمكن، ولا تبقينا رهنا لتقلبات السوق. وهنا يجب ان يكون لدينا عدة بدائل ويجب علينا ان نتعلم مما مضى فلا نعتمد كل الاعتماد على مصدر واحد، حتى ولو كان الأرخص اليوم. وهنا لا بد من ان أشير الى ان جزءا مهما من عملية توفير مصادر متعددة للطاقة هو توفير البنية التحتية؛ فبناء موانئ الغاز والنفط، وتمديد خطوط لإمداد النفط من العراق والسعودية، وإنشاء مخازن بسعات مناسبة لتخزين النفط ومشتقاته، وانشاء الممر الأخضر لاستيعاب مزيد من مشاريع الطاقة المتجددة وتعزيز شبكة نقل الكهرباء لاستيعاب مشاريع الصخر الزيتي، جميعها مشاريع استراتيجية ورئيسية لتوفير مصادر مختلفة للطاقة تجعل الاردن مستقلا فيما يتعلق بقطاع الطاقة ، وحتى لو اننا تابعنا استيراد هذه المصادر ( وكلنا أمل ان لا يستمر ذلك) ، سيتوفر لدينا سلة من المصادر تحررنا من الاعتماد المميت على أحد المصادر أو إحدى الدول. كما انه علينا أن نتابع مشروع توسعة وتحسين أداء مصفاة البترول الأردنية فذلك هو مشروع استراتيجي آخر يزيد في تحسين الأداء ويؤدي الى توفير مشتقات النفط بأسعار ونوعية مناسبة.
 تحديث وتحسين محطات توليد الكهرباء وشبكات توزيع الكهرباء
ان المضحك المبكي هو اننا في الأردن "خصخصنا" كلا من عمليات التوليد والتوزيع ولكن الحكومة لا تزال تدفع ثمن عجز أو ضعف تلك المحطات وتلك الشبكات، ذلك لأن من يدفع ثمن النفط المورد لشركات التوليد هي الحكومة (ممثلة ايضاً في شركة الكهرباء الوطنية) ، وإن من يدفع ثمن الفاقد في شبكات النقل والتوزيع هي ايضاً الحكومة (ممثلة في شركة الكهرباء الوطنية).  المشكلة لا تكمن في ان الشركات الخاصة لا ترغب في تحسين محطات التوليد او شبكات التوزيع ولكن المشكلة ان لا حافز لديها، فإن استثمرت ملايين من اجل التحسين لا يوجد حافز من قبل الحكومة وإن لم تستثمر لا تجد غرامات أو عقاب من الحكومة وعليه فلماذا التحسين أو التحديث بالنسبة لتلك الشركات؟ كما ان اتفاقيات هذه الشركات لا تسمح لها بالتحديث الا بموافقة الحكومة حيث ان جزءا من ارباحها هو نسبة من ممتلكاتها، وعليه فكلما زادت في استثماراتها الرأسمالية زادت ارباحها وهو امر تحاول الحكومة ان تتحاشاه، ولكن هل يا ترى في المحصلة خسائرنا أكبر في الوضع الحالي أم إن تم التحسين؟
معادلة صعبة تدفع ثمنها الحكومة و"أخي المواطن".
خبيرة في قطاع الطاقة