لماذا نتذكر العراق.. "أسوأ خطأ في التاريخ الأميركي؟"

جنود أميركيون أثناء انسحابهم من العراق -(أرشيفية)
جنود أميركيون أثناء انسحابهم من العراق -(أرشيفية)

فيليب غيرالد - (كاونتربنتش) 16/12/2012

 ترجمة: عبدالرحمن الحسيني

يميل معظم الأميركيين إلى نسيان أننا نقترب من الذكرى السنوية الأولى لطرد القوات العسكرية الأميركية من العراق. ويعاني الحزب الجمهوري، الذي احتشد وراء جورج دبليو بوش لغزو ذلك البلد واحتلاله من ذاكرة قصيرة حين يتعلق الأمر بتلك الحرب غير الشرعي، حتى في الوقت الذي يتحرق فيه من أجل تدخلات عسكرية جديدة مشابهة.اضافة اعلان
ويعود الكثير من الصمت الذي يغلف الموضوع بالتأكيد إلى حقيقة أن معظم الديمقراطيين، وتقريباً كل وسائل الإعلام، كانوا أيضاً على ظهر القارب، بالرغم من المسوغات التي ربما لا تتوافق تماماً مع الرؤية الإمبريالية لمحافظي بوش الجدد. وبعد أن بدأت الحرب، وأخذ الاحتلال شكله غير الشرعي تحت قيادة جيري بريمر ودان سينور وطائفة من المساعدين الذين جلبوا إلى المركب لإعادة تشكيل العراق استمرت القصة الخيالية الطويلة. وفيما تجزأ العراق وتقسم إلى أجزائه الأولى بفعل الحكم الإداري غير الكفء لبريمر، وهو تطور يفضي في العادة إلى إعادة التفكير في المشروع برمته، أعاد المحافظون الجدد المستندون إلى الكونغرس تجمعهم وحبكوا "الزيادة" في عدد القوات في العام 2007 من أجل تثبيت الأشياء. ومع أن "الزيادة" كانت سيئة المشورة وخلقت طريقاً عسكرياً مسدوداً وفشلاً تاماً في فعل أي شيء باستثناء تعميق الانقسامات في داخل العراق غير ذات صلة، فقد هرعت الحزبية السياسية إلى تأويلها باعتبارها نجاحاً من أجل توفير غطاء للساسة والجنرالات والبيروقراطيين الحمقى في واشنطن، الذين كانوا قد ابتكروها. وكان أحدث الأشياء، حين شهدت المناظرات الرئاسية الجمهورية في وقت سابق من هذا العام استشهاد العديد من المرشحين بتلك "الزيادة" في العراق كورقة اختبار بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أنهم يعرفون "النوع الصحيح" من السياسة الخارجية. أما أولئك الذين لم يصدقوا أسطورة الزيادة باعتبارها جزءاً من النزعة الاستثنائية الأميركية، فكانوا خارج الحظيرة، وخاصة النائب رون بول.
ينبغي تذكر غزو العراق، الذي يوصف بأنه "أسوأ خطأ في التاريخ الأميركي" بسبب ما يجب أن يكون قد علمنا إياه عن فهم واشنطن الخاطئ للولايات المتحدة في مقابل بقية العالم. ذات مرة، قالت واحدة من أضعف وزراء الخارجية الأميركيين في كل الأوقات، مادلين أولبرايت، إن الولايات المتحدة هي "الأمة الوحيدة الضرورية" لأنها "ترى البعيد". وكان بإمكانها إضافة أنها ترى بعيداً ولو أنها غالباً ما لا تفهم ما تراه، لكن ذلك كان سيتطلب بعض التأمل في الماضي من جانبها. ولسوء الطالع، كان جهل أولبرايت وثقتها المفرطة في النفس هو ما اعتنقه، بل وزاد عليه خلفاؤها الفاقدون للدليل بنفس المقدار، وكذلك الرئاسات التي مثلوها. وينبغي أن يكون العراق بمثابة البلسم لهذا التفكير، ودرساً مهما حول ما يعتري الولايات المتحدة عندما ترتكب خطأ فادحاً بشق طريقها إلى ما وراء البحار، مثل وصي عين نفسه بنفسه على مصائر بلايين الناس.
لقد تبين أن الجميع، باستثناء "الواقعي" والأقلية المحافظة الداعية للحرية التقليدية في جزئها الضخم التي عارضت مشروع العراق منذ اليوم الأول، كانوا مخطئين تماماً إزاء الحرب، واستمر العديدون في الخطأ حتى عندما قامت حكومة بغداد بإجبار القوات الأميركية على مغادرة البلد في نهاية المطاف. كانت حرب العراق قد ولدت من رحم سلسلة من الأكاذيب.
 لقد غزت الولايات المتحدة العراق في العام 2003 استناداً إلى تهديدين مزعومين، كما حددتهما إدارة بوش والكونغرس. أولاً، الادعاء بأن العراق كان يتوافر على أسلحة الدمار الشامل؛ وكذلك على أنظمة يمكنه استخدامها من توجيه ضربات مباشرة للولايات المتحدة. وثانياً، غالباً ما طرح أن العراق كان متورطاً بشكل ما في هجمات 11/ 9 من خلال أجهزته الاستخبارية. وكان كلا الزعمين زائفين تماماً ومعروفين لدى العديد في البيت الأبيض على أنهما خدعتان. وفي بعض الحالات جرى تعزيزهما بحجة كانت في حد ذاتها مفبركة أو معروفة بأنها غير صحيحة. وقد عرف العديد في البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) ووكالة المخابرات الأميركية (السي آي إيه) أن القضية التي طرحت لتبرير الحرب كانت في أساسها مخادعة، وأنها تمت حياكتها لتلبية مطالب الأمم المتحدة التي تشترطها لتوافق على التدخل العسكري. وبالرغم من حدوث زوج من الاستقالات المبدئية من وزارة الخارجية، فإن الجميع في البيروقراطية تقريباً مضوا قدماً في ركب الزيف.
بالحفر أعمق، نجد هناك مسوغات أخرى لم يتم الكشف عنها من أجل الذهاب للحرب، وأن بعضها يحيل إلى إسرائيل ولوبيها. كان كل قادة المشجعين الأكثر تعاطفاً مع الحرب أيضاً متعاطفين مع حماية إسرائيل. وكان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يدفع أموالاً لعائلات الفلسطينيين الذين تقتلهم القوات الإسرائيلية، وكان هناك شعور بأنه كان عدواً محتملاً. وعندما سيطرت الولايات المتحدة على بغداد، كان من أوائل المشاريع قيد الدراسة مد خط أنابيب لنقل النفط العراقي إلى ميناء حيفا الإسرائيلي.
ولنتقدم بسرعة فترة ثمانية أعوام قدماً حتى نهاية التواجد العسكري الأميركي. فقد استمر المحافظون الجدد في رؤية هدف استراتيجي في الخرائب التي تسببوا بها. وفي مقال رئيسي في الواشنطن بوست عن المغادرة الأميركية المزمعة من العراق قبل عام، ذكر كمبرلي وفريد كاغان، وهما من المحافظين الجدد، وبشكل مراوغ، خمسة "مصالح أميركية محورية" في المنطقة. وكانت كما يلي: يجب أن يبقى العراق دولة موحدة؛ يجب أن لا يكون هناك تواجد لتنظيم القاعدة على ترابه؛ يجب أن تلتزم بغداد بمسؤولياتها الدولية؛ يجب على العراق احتواء إيران؛ وأن على حكومة المالكي أن تقبل "الالتزام" الأميركي حيال المنطقة. وفيما كانت عائلة كاغان من المدافعين الأوائل عن إسرائيل، تجب ملاحظة أن "المسؤوليات الدولية" للعراق تُفهم على أنها إشارة لتوقع أن لا تكون بغداد عدائية تجاه إسرائيل.
ولكن، وبالنظر إلى الخلف قليلاً، فإننا سنجد أن العراق كان في العام 2003 أكثر وحدة واستقراراً بكثير مما هو اليوم، ولم تكن هناك القاعدة أو أي تواجد إرهابي آخر، وكان صدام عموماً متقيداً بنظام العقوبات المفروض من جانب الأمم المتحدة، وكان العراق هو دولة خط المواجهة العربية الرئيسية التي تحد من طموحات إيران.. عندها وكما هو الحال الآن، كانت الولايات المتحدة "ملتزمة" بوضوح حيال المنطقة من خلال التواجد الكبير لقواتها المسلحة، ويجب على المرء أن يضيف بين قوسين أن العراق لم يهدد الولايات المتحدة أو أي أحد آخر بأي طريقة من الطرق. وعلى وجه الدقة، كان الغزو الأميركي هو الذي فكك الدولة - الأمة العراقية، وقدم تنظيم القاعدة للبلد، وحطم اقتصاد الأمة، وجلب إلى السلطة مجموعة من الزعماء الشيعة المعادين للدمقرطة، والمتمسكين أكثر بطهران وسورية مما هم بواشنطن. وهم ليسوا ودودين جداً تجاه إسرائيل أيضاً، بل العكس تماماً. كما لا يوجد خط أنابيب نفطي. وعليه، فإنه لم يتم في الحقيقة تحقيق أي من "المصالح المحورية" التي سعت إليها الولايات المتحدة كما عرفها مبدأ المحافظين الجدد، لا بل تم عكس هذه المصالح بسبب غزو الولايات المتحدة واحتلالها الذي نظمه ونفذه المحافظون في وزارة الدفاع الأميركية.
ثم هناك التكلفة. فقد خسرت الولايات المتحدة نحو 5000 جندي قتلوا، فيما جرح 35000 جندي آخر وأكثر، بينما كان العدد الموثق للقتلى العراقيين أكثر من 110000 بالرغم من أن الإجمالي الفعلي لعدد القتلى يظل أكثر من ذلك بالتأكيد، وربما يتجاوز المليون قتيل. وفي الأثناء، اختفت الجاليات المسيحية القديمة في العراق. وقدر الاقتصادي الكولمبي جوزيف ستيغليتز أن التكلفة الإجمالية للحرب ستكون في حدود 5 تريليون دولار وأكثر عندما تتم تسوية الفواتير في النهاية. ويعاني الاقتصاد الأميركي من ضرر كبير، وربما مميت، كنتيجة لحرب لم يكن هناك داع لخوضها.
والدرس الذي نستقيه من العراق هو في الحقيقة بسيط تماماً. إن التدخل العسكري في أراضٍ أجنبية، ما لم تكن هناك مصلحة حيوية أصيلة في خطر، هو مهمة حمقاء نظراً للتداعيات غير المنظورة التي تتطور نتيجة لأي حرب. وعندما يكون التدخل ضرورياً فعلاً (من الصعب تخيل ما عساها أن تكون تلك الظروف) فإنه يجب أن تكون له استراتيجية خروج تبدأ مباشرة تقريباً. إن تذكر مكر الحكومة وخداعها التي أفضت إلى تطورات العام 2003 واستمرت حتى في العام 2011، يعني أن الأكاذيب التي يجري تعويمها راهناً لتبرير تغيير النظام في كل من سورية وإيران من جانب نفس المحافظين الجدد الذين أنتجوا المأزق العراقي، يجب أن تعامل بأقصى درجات التشكك وأن يتم رفضها من فورها. ويقدم العراق أيضاً الاستبصارات التي تمكن المرء من الحكم على المشروع في أفغانستان كما هو في الحقيقة: لقد فشل راهنا تماماً مثلما سيكون عليه حاله بعد خمسة أعوام، وإنما بتكلفة أكبر بكثير في الأرواح وأموال الخزينة، للأفغان والأميركيين على حد سواء. وإذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع التعلم من الخبرة في العراق، فإنها صائرة إلى تكرار الفشل في المحاولات الأخرى، إلى أن يعود آخر جندي إلى الوطن في كفن، وإلى أن يتم إنفاق آخر دولار، تاركة وراءها خزينة خاوية وشعباً أميركياً فقيراً.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:
? Why Remember Iraq

[email protected]