لماذا نرفض اتفاقية سيداو ؟

أسامة شحادة*

في خضمّ انشغال الشارع الأردني بالحراك السياسي وقرارات رفع الأسعار وتراجع الاقتصاد هناك فريق سياسي يستغل هذه الظروف الصعبة فيكثف ضغوطه وتحركاته لإقرار اتفاقية سيداو بالكامل على الشعب الأردني ورفع التحفظات الأردنية عليها، وهذه التحركات والضغوطات تتمثل في ندوات ومؤتمرات واستقواء بالخارج على الحكومة، ويبدو أن هذه الضغوط أثمرت.اضافة اعلان
وأخشى أن تكون الموافقة على اتفاقية سيداو أحد شروط  التفاهمات مع المؤسسات الاقتصادية العالمية والتي لم تفصح الحكومة لليوم عن تفاصيل هذه التفاهمات برغم شعارات الشفافية والحوكمة وغيرها من المصطلحات الرنانة في زمن الربيع العربي.
اتفاقية سيداو والتي تتعلق بشؤون الأسرة والحياة الاجتماعية تبدو للكثيرين اتفاقية جميلة، فالذي يعلن للناس في وسائل الإعلام والمؤتمرات وورشات العمل هو كلمات جميلة وبراقة على غرار: تقدم، عدالة، مساواة، مشاركة، حق، رفع الظلم، رفع التمييز، عدم المساواة... لكن حقيقتها مختلفة.
اتفاقية سيداو هي حلقة من حلقات عدد من الاجتماعات العالمية في الأمم المتحدة بدأت في عام 1925، وذلك ضمن رؤية الأمم المتحدة لوضع قوانين عالمية تخضع لها الدول والشعوب، وبرغم فشل الأمم المتحدة ومن قبلها عصبة الأمم في الجانب السياسي والجنائي كما معلوم، حيث إن القوة هو القانون الحقيقي السائد في مجلس الأمن، ولذلك ما تزال إسرائيل تعربد في فلسطين برغم الدماء البريئة التي تسيل فيها من ستين عاماً ولا أثر للقوانين السياسية والجنائية الدولية في وقف الجريمة الإسرائيلية، منذ ستين عاما وإسرائيل تخرق القوانين بفضل الدعم الروسي والأميركي لها منذ الاعتراف بها عام 1948، وأنصح هنا بقراءة كتاب "موسكو وإسرائيل" للمندوب السوري بالأمم المتحدة د. عمر حليق، لأنه يكشف عن ولائها لإسرائيل بوضوح ودقة، والإجرام الروسي تجاه الشعوب الإسلامية إجرام أصيل منذ احتلال الجمهوريات الإسلامية مروراً برعاية قيام إسرائيل وغزو أفغانستان والشيشان وانتهاءً بالذي نشاهده ونلمسه يومياً من دماء الشعب السوري الذي يُقتل بالسلاح والتخطيط والتنفيذ الروسي.
ولكن في الجانب الاجتماعي كان حظ الأمم المتحدة أكبر، فقد وجدت اتفاقاً أكبر بين القوى الدولية بسبب انطلاقها من نفس الرؤية العلمانية التي هي محط تقاطعات.
إن رفضنا لاتفاقية سيداو يأتي من رفض فرض الرؤية العلمانية على العالم الإسلامي في المجال الاجتماعي بما يتصادم مع الشريعة الإسلامية وبما يتصادم مع رغبة الغالبية العظمى من أفراده، وهم يلجؤون لإخفاء هذا التصادم تحت عبارات ومصطلحات براقة مثل: رفض التمييز، رفع الظلم، وأمثلة صحيحة، مثل: منع النساء وخاصة الفتيات من التعليم، عدم إعطائها أجرا مناسبا لعملها لكونها امرأة، مما يرفضه الإسلام.
ولكن ليس هذا هو جوهر وحقيقة سيداو التي تخفيها هذه الطبقات من الخداع اللفظي، الجوهر الذي نرفضه في سيداو، ونطالب المؤيدين لسيداو بإعلان موقفهم منه هو ما يلي:
1 - المادة (2) من الاتفاقية تجعل مرجعية المواثيق الدولية فوق مرجعية الإسلام في الأحوال الشخصية، وفي هذا مناقضة مع دعوى العلمانيين بأن الشريعة مطبقة في قوانين الأحوال الشخصية.
2 - المادة (3) من الاتفاقية تدعو لرفض تفريق الشريعة بين دور الرجل والمرأة بالعدل وإعطاء كلٍ منهما حقه، والمطالبة بالمساواة المطلقة، والمطالبة برفض أحكام الشريعة في الزواج كإعطاء المرأة مهراً، وجعل الطلاق بيد الرجل، ووضع عدة للمرأة، وتقسيم الميراث.
3 - المادة (6) من الاتفاقية تبين عدم معارضة عمل النساء في الدعارة لحساب أنفسهن! ولكن المشكلة عندهم أن يستغلهن أحد.
4 - المادة (10) من الاتفاقية تحث السيداويين لنشر الثقافة الجنسية بين الأطفال – الطفل عندهم ما دون 18 سنة – بحجة حقهم في المعرفة. وهذا نشر للفساد والتحلل كما نشاهد من حال الأطفال في المجتمعات الغربية حتى يتعذر اللقاء بشباب أطهار لم يتنجسوا بجريمة وفاحشة الزنا والشذوذ إلا نادراً.
5 - المادة (11) تستبطن احتقار دور الأم في تربية أولادها وخدمتهم، وكأن خدمة الآخرين رقي وخدمة الأهل عيب. واستعجب من هؤلاء  الذين يدّعون مكافحة التمييز والاتجار بالمرأة لماذا لا يعترضون على اشتراط الجمال والأناقة في توظيف النساء؟ بل إنهم لا يرغبون بالمرأة البسيطة وغير (المتحررة) وكم رأيت من فتيات محتشمات من سايرت هؤلاء فترة يسيرة فإذا بها تتطور وتتقدم: فتكشف عن جسدها وتطلق حلقات الدخان عالياً فتحظى بلقب ناشطة في الحقل العام والتنمية المستدامة.
6 - المادة (12) تدعو للانحلال وشرعنة العلاقات الجنسية المحرمة من خلال التعهد بتقديم الخدمات الصحية للنساء دون اعتبار لكونها متزوجة أو غير متزوجة. وإلا فما هو موقف السيداويين من تحريم ومنع الزنا والشذوذ؟
7 - المادة (15) تدعو المرأة للتمرد على أسرتها وتدعوها للسفر والسكن حيثما شاءت بغضّ النظر عن موافقة وليّها من أب أو أخ أو زوج، وهذا فتح باب عريض للفساد والتحلل الأخلاقي على غرار ما يروج له في الأفلام الأجنبية والروايات الغربية حيث تسكن الفتاة مع من شاءت وتُسكن من شاءت.
8 - المادة (16) وهي أم الخبائث في الاتفاقية، فهي تدعو لاعتماد الزواج المدنى العلماني، فتسمح بزواج غير المسلم من المسلمة، وتمنع تعدد الزوجات، وتلغي عدة المرأة، وترفض قوامة الرجل على زوجته، وترفض موافقة الولي على زواج وليته، وتمنع الزواج تحت سن 18 سنة.
وسأركز هنا على نقطة منع الزواج تحت سن 18، لأن النقاط السابقة سبق وذكرناها، العجيب هنا أن الاتفاقية تمنع الزواج تحت سن 18، وتعتبره عنفاً ضدها، ولا تقبل بموافقة الفتاة على الزواج، لكنها تشرّع وتشجّع العلاقات الجنسية المحرمة كالزنا والشذوذ لمن هم تحت سن 18 من باب أن من حق المراهقة أن تستمتع بجسدها الذي تمتلكه!! ولذلك تدعو الاتفاقية الدول إلى تقديم المعلومات الجنسية للمراهقين في مناهج التعليم، وتدعو إلى تقديم الخدمات الصحية للمراهقات غير المتزوجات من إجهاض أو رعاية للحمل والرضيع، ولذلك أصبح العالم يعرف ظواهر (الأمهات العازبات/ الأمهات المراهقات). 
وهنا نريد موقفا واضحا كوضوح رفض الزواج المبكر، من السماح بل التشجيع والدعم للمراهقين لممارسة الجنس الحر، هل هو مجرم ومدان؟ أم هي حرية شخصية لا يحق للأهل والمجتمع والدولة التدخل بها؟ بل يجب عليهم تسهيل هذه الممارسات! 
الخلاصة: الاتفاقية تريد أن يعيش الناس بطريقة منحلّة عن الدين والأخلاق على غرار المسلسلات التركية المدبلجة – لاحظ أنها انتشرت مع صعود حزب العدالة المحافظ لتشويش الصورة الذهنية عن تركيا – ، فتقدم أن الانحلال والعري الفاضح والاختلاط وشرب الخمر هو الأصل في العائلة التركية المسلمة، وأن ممارسة الزنا تكون علانية أمام الجميع بحيث أن البطلة التركية المسلمة تحمِل وتضع طفلها وبعدها بشهور يتم زواجها من عشيقها، وأن كل رجل تركي مسلم له عشيقة، وأن الزنا بين النساء أمر طبيعي!!
هذه هي حقيقة سيداو والتي يضغط السيداويون والسيداويات في الأردن على فرضها مستعينين بقوى من الخارج، وهي التي صدرت إزاءها فتوى من مجلس الإفتاء الأردني عام 2009 نصت على أن: "كل ما خالف الشريعة الإسلامية مما جاء في معاهدة سيداو حرام، ولا يجوز العمل به، والمجلس يؤكد تقديره لدائرة قاضي القضاة في موقفها المشرف في رد كل ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية مما ورد في اتفاقية سيداو... ويأمل من مجلس الأمة أن يرد مثل هذه التشريعات التي تعد مخالفة صريحة لشريعة الله تبارك وتعالى". وختاماً: في الوقت الذي يرفض فيه المؤيدون لسيداو المواثيق والاتفاقيات الاقتصادية الدولية من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين، فإنهم يتوسلون ويصرخون لتطبيق المواثيق الدولية الاجتماعية على شعبنا الأردني في تناقض عجيب. والأعجب من هذا أن هؤلاء يحتكرون الحديث باسم نساء الأردن دون تفويض صريح أو انتخابات حقيقية لنساء الأردن تفرز قياداتها بشكل سليم، ومن ثم ينظّرون علينا بضروة التوافق بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية كلما مالت الكفة لصالح الإسلاميين!!


*كاتب أردني