لماذا نضحك بشكل مبالغ فيه؟

لندن- أحياناً ندخل في نوبة ضحك على أمور غاية في الغرابة، وقد اكتشف علماء النفس أن هذا الضحك اللاإرادي يكشف عن أهم أنماط السلوك لدينا.اضافة اعلان
لماذا يداهمنا الضحك حتى لو كان شخص ما يتألم؟ ولماذا ينتقل هذا الضحك بطريقة معدية؟ هذه الأسئلة حاولت الأستاذة في علم الأعصاب بجامعة لندن، صوفي سكوت، الإجابة عنها خلال السنوات الثلاث الماضية، وشرحت أثناء مؤتمر في مدينة "فانكوفر" الكندية الأسبوع الماضي السبب في أن الضحك يعد أحد أهم سلوكياتنا التي يساء فهمها.
لكن العمل الذي تقدمه سكوت لا يحظى دائماً بقبول أصدقائها. فقد أشارت إلى ملاحظة مكتوبة بخط اليد وجدتها ذات يوم ملصقة على أوراق قامت بطباعتها، "هذه الكومة من الورق تبدو كأنها قمامة (بسبب طبيعة المادة التي تحتويها) وسوف يتم التخلص منها اذا لم تأخذيها من هنا".
لقد بدأت سكوت حياتها العملية باختبار الصوت، وما يوحي به الصوت من معلومات عن شخصياتنا. وتقول في هذا الصدد: "يمكن للصوت أن يكشف عن جنس صاحبه، وعمره، ووضعه الاجتماعي، والاقتصادي، وعن أصوله الجغرافية، وعن مزاجه، وحالته الصحية، وحتى عن أمور لها علاقة بتفاعله مع محيطه".
إحدى تجاربها تضمنت مسحاً ضوئياً لصوت فنان من محبي تقليد الأصوات، وهو دانكان ويزبي، للوقوف على الطريقة التي يقلد فيها الطرق الخفية لكلام الآخرين. ومن المدهش أنها وجدت أن نشاط الدماغ يعكس مناطق مرتبطة عادة بحركات الجسم والتخيل، عندما حاول أن يتقمص شخصية ما.
وقد ساعدها ذلك الأداء من التقليد على تحديد المناطق المشاركة في أشياء مثل اللهجة، والصياغة، وهي جوانب مهمة من هويتنا الصوتية.
لكن دراسة نشرت في ناميبيا جعلت سكوت تدرك أن الضحك من أهم ظواهرنا الصوتية. أبحاث سبقت ذلك أظهرت أنه يمكننا التعرف على ست عواطف عالمية مشتركة بين مختلف الثقافات، وهي الخوف، والغضب، والدهشة، والحزن، والسعادة، والاشمئزاز، بناء على تعابير الوجه.
أما سكوت فقد أرادت أن تعرف ما إذا كنا نستطيع إخفاء معلومات أكثر يمكن أن تبدو في أصواتنا.
لذا طلبت من أشخاص من سكان ناميبيا الأصليين ومن عدد من الإنجليز الاستماع إلى تسجيلات لكل منهم، وأن يلاحظوا العواطف التي يلمسونها من خلال التسجيلات التي يسمعونها، بما في ذلك تلك العواطف الست المتعارف عليها عالمياً، إضافة إلى الشعور بالنصر، أو الطمأنينة، أو الارتياح.
كان الضحك هو أكثر العواطف التي أمكن ملاحظتها بسهولة في كلتا المجموعتين. وتقول سكوت: "على الفور أمكن تمييز الضحك عن غيره من المشاعر الإيجابية".
وكلما تعمقت سكوت في البحث، ازداد إعجابها ودهشتها من التفاصيل التي ينطوي عليها الضحك. على سبيل المثال، توصلت الى أن الغالبية الكبرى من الضحكات لا علاقة لها بالفكاهة.
وتضيف: "يعتقد الناس جازمين أنهم غالباً ما يضحكون على النكات التي يطلقها الآخرون، لكن أثناء الخوض في محادثة ما، يكون الشخص الذي يضحك أكثر من غيره في العادة هو الشخص المتحدث".
وتنظر سكوت إلى الضحك باعتباره عاطفة اجتماعية تقربنا من بعضنا بعضا، بغض النظر عما إذا كان هناك شيء مضحك فعلاً.
وتمضي سكوت قائلة: "عندما تضحك مع الناس، فأنت تظهر لهم أنك تحبهم، وأنك تتفق معهم، وأنك منسجم معهم. الضحك هو دليل على قوة الصداقة".
الضحك المعدي
وربما يفسر ذلك السبب الذي يجعل زوجين يدخلان في نوبة ضحك معا على ما يتبادلونه من فكاهة واضحة، بدون أن تسري عدوى ذلك الضحك إلى من يشاهدهم.
وتقول سكوت: "سوف تسمع أحدهما يقول (عن الآخر): لديه روح دعابة ممتازة، وأنا فعلاً أحبه بسبب ذلك". وتضيف أن ذلك يعني كأنك تقول: "أنا أحبه، وأنا أظهر له أنني أحبه عن طريق مشاركته الضحك عندما أكون بقربه".
وفي الواقع، يمكن لروح الدعابة أن تكون سبباً رئيساً في الحفاظ على العلاقات مع الآخرين، وتشير سكوت إلى دراسة أخرى، على سبيل المثال، تظهر أن الأزواج الذين يضحكون مع بعضهم بعضا يجدون في الضحك وسيلة للتخلص من التوتر بعد حدث مرهق، وبشكل عام، غالباً ما يبقون مع بعضهم لفترة أطول.
دراسات أخرى حديثة تظهر أن الناس الذين يضحكون مع بعضهم بعضا على مقاطع فيديو مضحكة غالباً ما يبوحون بمعلومات شخصية عن أنفسهم، مما يمهد الطريق للتعارف وإقامة العلاقات.
وفي هذا السياق، وجد روبين دانبار من جامعة أكسفورد أن الضحك يرتبط بالشعور ببداية الألم، ربما عن طريق زيادة هرمونات الأندورفين، وهي مركبات كيماوية مرتبطة بالدماغ والجهاز العصبي من شأنها أيضاً زيادة الترابط الاجتماعي.
وتحاول سكوت أن تجد الفرق بين الضحكات العابرة التي نستخدمها لإضافة التشويق إلى محادثاتنا مع الآخرين، وبين الضحك اللاإرادي الذي من شأنه أن يفسد برنامجاً إذاعياً أو تلفزيونياً.
وعلى سبيل المثال، اكتشفت سكوت أن نغمة الصوت في الضحكة المتكلفة تكون غالباً أنفية، بينما لا تخرج الضحكات اللاإرادية من الأنف.
ويظهر المسح الضوئي الذي أجرته سكوت الطريقة التي تفاعل بها الدماغ مع كل نوع من أنواع الضحك. كلاهما يبدو أنه أثر في مناطق الانعكاس في الدماغ، وهي المناطق التي تقلد سلوك الآخرين.
هذه المناطق تنشط سواء رأيتك تركل كرة أو إذا ركلتها أنا بنفسي على سبيل المثال. ومن المحتمل أن يكون ذلك التقليد العصبي الدماغي هو ما يجعل الضحك معدياً.
تقول سكوت: "هناك احتمال كبير أن تضحك عندما تكون مع شخص آخر، وتصل نسبته إلى ثلاثين مرة أكثر من أن تكون وحدك". ويوجد فرق مهم رغم ذلك، وهو كلما كانت الضحكات الاجتماعية أقل عفوية، فإنها تحفز نشاطاً أكبر في المناطق المرتبطة بالإدراك العقلي، وتفسر دوافع الآخرين، ربما لأننا نرغب في معرفة سبب تصنعهم للضحك.
ربما ظننت أنه من السهل إيجاد الفرق بين الضحك التلقائي والمصطنع، لكن سكوت تعتقد أن هذه المهارة تتطور بالتدريج في غمرة الحياة، ويمكن أن تنضج بالوصول إلى سن الثلاثين.
لهذا السبب، أجرت سكوت في الآونة الأخيرة تجربة في متحف لندن للعلوم؛ حيث طرح فريقها أسئلة على زوار المتحف من مختلف الأعمار من خلال مشاهدتهم لمقاطع فيديو يظهر فيها أشخاص يضحكون ويبكون، وطلب منهم الحكم على أيها تلقائي وأيها مصطنع.
وتشير في هذا الصدد إلى أن البكاء هو طريقة الرضيع الأولى للتواصل مع الآخرين، بينما يكتسب الضحك أهمية أكبر كلما كبرنا في السن.
ورغم أننا لا نحب الضحكات المصطنعة لبعض الأشخاص، تعتقد سكوت أن سلوكنا هذا يكشف عن جوانب في شخصياتنا وتركيبنا النفسي أكثر من كشفه عن جوانب مزعجة في شخصيات هؤلاء المتصنعين.
تقول سكوت "قد يبدو الضحك شيئاً عابراً تافهاً بلا هدف، لكن في الواقع، هو ليس سلوكاً محايداً، فهو دائماً يحمل معنى معينا".-(بي بي سي)