لماذا نكره ميرا؟

سائد كراجة الرواية ليست موعظة دينية، حيث هي بطبيعتها تصوير لواقع قائم أو متخيل وهي حبكة لعلاقات وشخوص تُقَدَّم في سرد مشوق، هذا السرد قد يصور شخصية مجرم أو شخص نبيل أو مثقف أو جاهل كما أنه قد يغوص في تفاصيل العلاقات بين الناس بما في ذلك علاقاتهم الاجتماعية أو الثقافية أو الجنسية، وفي هذا السياق قد تجد أدبا مبتذلا يتحدث في الجنس من أجل الجنس، وهو أدب ممجوج ومرفوض، كما قد تجد أدبا يعرج على هذه العلاقات بكل تفاصيلها بما في ذلك العلاقات الحميمة في سياق ومتطلبات العمل الروائي. وللقصة والقصص عمومًا استخدام دائم للعبرة والمعرفة واليقين، فملحمة جلجامش ومن بعدها الإلياذة والأوديسا والزير سالم وحي بن يقظان والقصص العالمية والمحلية كلها، شكلت مجالا خصبا لتهذيب وتأديب الشعوب، فالرواية قد تتحدث عن جريمة قتل أو اغتصاب امرأة وفي هذا السياق فإنها قد تتطرق إلى وصف القتل أو الاغتصاب أو الأعضاء الجنسية وأدوات القتل، ولكن هذا لا يعني أنها ضد الأخلاق أو الأدب أو القيم بل إن غايتها إعلاء شأن القيم بكتابة المصير الذي يواجه من يخالف ناموس السماء أو يخالف ناموس الناس الذي قَبِلوه لأنفسهم !. تسطيح الأمور باعتبار أن ذكر حالة حميمية أو وصف العلاقات بين الناس في رواية هو ضد الأخلاق وضد الخصوصية الأردنية أو العربية أمر يخالف واقع الأدب والشعر العربي والأردني منذ عرار وليس انتهاء بقاسم توفيق ومؤنس الرزاز وهاشم غرايبة وإبراهيم نصر الله ومحمد طمليه وغيرهم ! ولهذا فالقول بالطهورية اللغوية السياسية والأخلاقية في سياق الحكم على رواية أو قصة لا يعدو أن يكون خطاب مناكفات سياسية معروفة، وهي بهذا أبعد من أن تكون مسطرة أخلاقية للمجتمع! ميرا بالمناسبة ليست أردنية بل هي يوغسلافية، رفضت الزواج من ابن عمتها وتزوجت أردنيا لأن الزواج من ابن عمتها محرم في ثقافتها !! وهي وعائلتها رفضوا الشيوعية والإلحاد وتمسكوا بدينهم وإيمانهم، كما أنها عندما عادت إلى عمان فرحت بأن ابنتها عاشت مع عمتها الأردنية الداعية وأنها تحجبت والتزمت دينيا ! وأن ابنتها كانت تقرأ القرآن في الرواية لتستعين بإيمانها على ظروف حياتها! فلماذا لا يكون هذا هو النموذج الذي سيتأثر به أعضاء الأسرة في الرواية مثلا !! لماذا نكره ميرا؟ لأنها تذكرنا أن في شخصياتنا ومجتمعنا الكثير من التناقضات وفيها كثير من السلوكيات اللاإنسانية واللاأخلاقية والتي تتناقض مع الدين والأخلاق ومع السلوك الإنساني الذي استقر عليه البشر، ولهذا فإن الأدب والرواية هي نواقيس أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية تدق بشكل أدبي مشوق لكي يقبض المجتمع على مبادئه وقيمه التي يدافع عنها دينية كانت أم إنسانية أم ذاتية. هل تصلح أن تكون الرواية في مكتبة الأسرة ؟! هذا أمر فيه كلام فني وعملي، ذلك أن تحدي المحتوى الموجود على الانترنت من الأفلام والمشاهد وسرعة الاتصال وشخصية التواصل – بمعنى قدرة الفرد على أن يصل للمحتوى على الإنترنت وهو قابع في غرفته – يعتبر تحديا جسيما للأسرة والوالدين يجعل قانون المنع والحجر غير مجد وغير ممكن وغير فعال، فماذا نفعل إذا ؟! نحصن أبناءنا بالحب والقبول والتوجيه وبناء قيم ذاتية تكون قادرة على منحهم القدرة على الاختيار الصحيح، هذه القيم قد يكون مصدرها الدين أو العادات أو العلم أو المنطق أو كل ما تقدم مجتمعا. الشاب أو الفتاة في أوروبا لا تقرأ وحسب، بل ترى في الشوارع أشكالا وكلام التعري وأحيانا الدعارة، ومع ذلك تختار الالتزام بالطريق الذي تقبله لنفسها، فلا يجب أن نخشى على أبنائنا من الروايات والأدب والشعر والسينما، بل نخشى على أسرنا وأطفالنا إن لم نبنِ ذواتهم بقيم ذاتية وأهمها قيمة الحرية لاختيار الخير والصلاح ! خصوصيتنا الأردنية هي أن أدبنا وأُدباءنا لم يدفنوا رأسهم في التراب ولا في طهورية تخفي تحتها ما ينذر بخراب عميم، وأرادوا أن ينشروا حقيقة ما يجري وما يحدث لعلنا نتعظ ونفهم ونتفاعل وندافع عن القيم الدينية والإنسانية والذاتية لهذا المجتمع كل حسب مرجعيته، ولكن لا مجال لإعلاء القيم في المجتمع دون إعلاء واحترام قيمة الحرية، الحرية في المكاشفة والاختيار والعقل والقدرة على قبول التنوع، وهذا هو مجال الأدب والرواية جنابك ! المقال السابق للكاتب  اضافة اعلان