لماذا نكون أكثر رومانسية في فصل الشتاء؟

هناك عبارة، أو مصطلح حديث يلخص المزاج الخاص في الشتاء والميل إلى البقاء في الداخل، وهو "موسم التكبيل"،
هناك عبارة، أو مصطلح حديث يلخص المزاج الخاص في الشتاء والميل إلى البقاء في الداخل، وهو "موسم التكبيل"،

في هذه الفترة من السنة تكون الليالي في ذروة طولها، والطقس في أسوأ حالاته، والشتاء في كامل أوجه في نصف الكرة الشمالي.

اضافة اعلان

وبعد أن مضى صخب موسم الأعياد، حتى وإن كانت الاحتفالات مختلفة هذا العام، نشعر برغبة في البقاء داخل البيوت بينما ننتظر مقدم الربيع ليستعيد مزاجنا إشراقه إسوة بالطبيعة، قبل أن نفكر في العودة إلى التواصل الاجتماعي والذهاب هنا وهناك.

وهذا العام، ربما أكثر من أي عام سابق، تزامنت الفترة التي نفضل فيها دفء منازلنا عادة، مع تشديد القيود بسبب انتشار وباء كورونا، الأمر الذي يعني بالنسبة لكثيرين في أوروبا والولايات المتحدة أن قرار ملازمة المنزل لم يعد اختيارياً.

لكن هل يحتاج البشر إلى فترة العطالة الموسمية هذه للراحة وإعادة شحن طاقاتهم؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين تأتي هذه الحاجة؟ أم أن الحياة الحديثة جعلتنا أقل ميلاً إلى العلاقات الاجتماعية خلال الشتاء؟

هناك عبارة، أو مصطلح حديث يلخص المزاج الخاص في الشتاء والميل إلى البقاء في الداخل، وهو "موسم التكبيل"، لكن الأصفاد هنا تشير إلى رباط عاطفي اختياري، وقد يكون مؤقتاً، وليس القيد بالمعنى المعروف.

وفي عام 2017 اختير هذا المصطلح ضمن القائمة القصيرة لـ "كلمة العام" من قبل أحد القواميس، وهو يشير إلى ظاهرة شائعة بين العزاب، ويعني الرغبة في تكوين علاقة عاطفية مع شريك جديد مع بداية الشتاء والاستمرار بالعلاقة حتى مقدم الربيع على الأقل.

العمل من الفراش: أنا لست مضطرا حتى لتبديل ملابسي

لماذا نشعر بالسعادة لدى تناول بعض الأطعمة؟

فيروس كورونا: كيف أثر كوفيد-19 على العلاقات العاطفية؟

فيروس كورونا: كيف تجعل من العمل في المنزل تجربة سعيدة؟

ويصل الاهتمام عادة إلى ذروته في عمليات البحث على محرك غوغل عن هذه العبارة في نصف الكرة الشمالي بين أكتوبر/تشرين الأول وفبراير/شباط، قبل أن يختفي نهائياً خلال الصيف.

وفي هذا الوقت من العام، ما عليك سوى النقر على قوائم الأفلام الموسمية حتى تظهر لك مجموعة من الأفلام الكوميدية الرومانسية التي تتمحور حول العشاق.

وقد يكون هناك سبب وجيه لذلك: فالشعور بالبرودة يرفع درجة إعجاب الجماهير بالأفلام الرومانسية، وبالتالي استعدادهم لدفع أجر مشاهدتها (ونظراً لأن المشاهدين يربطون بين الأفلام الرومانسية والمشاعر الدافئة، فربما يشعرون بالدفء يتسلل إليهم أثناء مشاهدتها). وعلى ما يبدو، فهناك شيء خاص متعلق بالليالي الباردة الطويلة يجعل الناس أكثر ميلاً للقصص الرومانسية.

هناك الكثير من الأفلام العاطفية والحنين إلى الماضي للاختيار من بينها في فصل الشتاء
التعليق على الصورة،هناك الكثير من الأفلام العاطفية والحنين إلى الماضي للاختيار من بينها في فصل الشتاء

وتؤثر الفصول الأربعة تأثيراً عميقاً على نفسيتنا ومزاجنا، من الميل إلى تجنب المخاطرة، إلى تقليل نشاطنا الاجتماعي والرغبة في الاسترخاء كما لو أننا نستعد للدخول في بيات شتوي.

وقد تم الربط بين كمية الضوء الطبيعي التي نحصل عليها واضطرارنا لاستخدام الضوء الاصطناعي في الليالي الطويلة وبين اضطرابات المزاج الموسمية.

ومع التراجع في كمية الضوء التي تصدرها الشمس الساطعة، تنخفض مستويات السيروتونين (وهو هرمون يساعد على تنظيم المزاج)، على الرغم من وجود آراء تخالف ذلك، مثل كريستين بلوم والمؤلفين المشاركين معها من مركز علم البيولوجيا الزمنية في جامعة بازل، والذين أشاروا إلى أن استخدام أضواء اصطناعية ذات أطوال موجية باردة في الصباح ودافئة في المساء، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على مزاجنا وأنماط نومنا.

من جهة أخرى، يبدو أن لبرودة الجو تأثيراً فريداً بشأن الجاذبية. إذ وجدت بعض الأبحاث أن الرجال على سبيل المثال، يجدون أجساد النساء أكثر جاذبية خلال الشتاء منها في الصيف.

ويعتقد الباحثون أن السبب يعود ربما إلى التأثير اللافت للتباين. ويفسر هذا التأثير السبب الذي يجعل الشيء الفريد أو المختلف عن القاعدة أكثر جاذبية.

وفي هذه الحالة، بما أن رؤية أشخاص في ملابس السباحة خلال الشتاء أمر غير معتاد، يكتسب المشهد جاذبية خاصة لأنه متفرد وغير متوقع.

وفي حين قد يتسبب الطقس بتحديد آفاقنا بشكل طبيعي، هناك سبب آخر يجعل البشر أكثر عرضة للارتباط، أو الاستمرار في علاقة خلال فصل الشتاء.

ولا سيما أن الشتاء في نصف الكرة الشمالي يتزامن مع موسم الاحتفالات والأعياد، ففيه الاحتفال بالعام الجديد في التقويمين الغريغوري والصيني، ومناسبات أخرى مثل عيد الحب.

ويتداخل "موسم التكبيل" العاطفي مع هذه الاحتفالات، وإذا كان لديك شريك، فالأسهل أن تبقى معه خلال هذه الفترة، بدل الانفصال عنه قبلها مباشرة، كما تقول كاثرين إم هرتلين، وهي أستاذة مادة العلاقات العاطفية والعلاج الأسري في جامعة نيفادا، والتي تضيف: "يمكن أن نشعر بضغوط من الأسرة والأصدقاء والمحيط لكي نكون مرتبطين بشريك، لكنني أعتقد أيضاً أن الضغط الذي نشعر به هو منشأه اللاوعي.

ومن خلال ما رأيته، هناك بعض الأشخاص الذين لا يريدون إنهاء علاقة في هذا الوقت من العام أيضاً. أرى أشخاصاً يستمرون في علاقاتهم لمجرد عدم زعزعة الاستقرار، أو خشية أن ينتهي بهم الأمر إلى أن يكونوا بمفردهم خلال هذا الوقت".

لكن حتى خارج العلاقات العاطفية، يمكن للمناسبات الخاصة التي تميز هذه الفترة من العام أن تغير سلوكياتنا.

وتقول كالانيت بن آري، المختصة بمعالجة العلاقات العاطفية والمقيمة في لندن: "يعتبر الناس رأس السنة الجديدة مناسبة لتقييم حياتهم ومقارنتها بما اعتقدوا أنهم سيحققونه، وما اعتقدوا أنهم سيكونون حاصلين عليه الآن، ويمكن أن يحمل ذلك خيبة أمل".

والفشل قصير المدى، سواء كان ذلك عدم إنجاز أهدافنا أو الفشل في تحقيق توقعاتنا، يمكن أن يقود إلى ردود فعل مبالغ بها وثم الاستسلام.

وإذا كان العام الجديد بمثابة تذكير بأننا لم نحقق الأهداف التي حددناها قبل 12 شهراً، فقد نتخلى عنها تماماً. وهذا ما يعرف بتأثير الصدمة، حيث تدفعنا نكساتنا أو ما نعتبره إخفاقات، إلى التراجع والتخلي عن كل شيء.

يشعر الناس بصعوبة في إنهاء العلاقات العاطفية في الفترة ما بين الاحتفال برأس السنة وعيد الحب
التعليق على الصورة،يشعر الناس بصعوبة في إنهاء العلاقات العاطفية في الفترة ما بين الاحتفال برأس السنة وعيد الحب

وقد نكون مدركين أن التواريخ الموجودة على صفحات المذكرة اليومية محض أرقام، لكن من الصعب التغاضي عنها. وحين يحدد الجميع قراراتهم للعام الجديد، أو يستعدون ليوم عيد الحب، فمن الصعب ألا نفكر بما حققناه نحن في هذه الجوانب.

وبينما تشير ظاهرة "موسم التكبيل" إلى أن هذا هو أوان الرومانسية، يمكن أيضاً اعتباره مناسبة لإصلاح العلاقات الأخرى في حياتنا.

تقول سالي بيكر، أخصائية علاج العلاقات في لندن، إن وباء كورونا دفع بعضهم إلى إعادة التواصل بأشخاص من ماضيهم، بدل بذل جهود لتكوين روابط جديدة. لكن إحياء كثير من الروابط القديمة يجلب معه ضغوطًه الخاصة أيضاً.

واحتفل معظم الناس هذا العام بعيد الميلاد ورأس السنة الجديدة عبر الإنترنت. لكن في ظل غياب التواصل الاجتماعي في الحياة الواقعية، فهل يؤثر التحول إلى الأساليب الرقمية على صحتنا؟ وهذا التساؤل كان موضع اهتمام هرتلين وعلماء آخرين.

وتقول هرتلين إنه حين يتواصل الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا يقتصرون على شخص واحد أو شخصين فقط، وإنما يتحدثون إلى العديد من الأشخاص المختلفين الذين قد لا يعرفونهم على أرض الواقع، ولهذا تأثيرات سلبية على الحالة النفسية.

وتوضح ذلك قائلة: "هذا في الحقيقة لا يقضي على الشعور بالوحدة. وهناك بحث يُظهر أن كل شخص لا تعرفه في الواقع، لكنك تتابعه أو تتعامل معه كصديق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هو بمثابة سبب إضافي لشعورك بالاكتئاب والقلق".

ويستند هذا إلى بحث أجراه بريان بريماك، أستاذ الصحة العامة في جامعة أركنساس، الذي يقول: "إن وسائل التواصل الاجتماعي سيف ذو حدين وهو يصبح قاطعاً أكثر في زمن كورونا.

فمن ناحية، نحتاج إلى أدوات مثل وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى لكي نشعر بالتواصل في وقت علينا أن نكون فيه متباعدين جسدياً.

ومن ناحية أخرى، فالأوقات الطويلة التي نمضيها على وسائل التواصل الاجتماعي تعرضنا لمزيد من المخاطر".

ومع ذلك، فالحل لا يكمن في التخلي عن التواصل عبر الإنترنت، كما تقول هرتلين، وما نحن بحاجة إليه هو تغيير طريقة تفاعلنا وتشاركنا مع الآخرين عبر هذه المواقع.

وتضيف: "الأشخاص الذين نتفاعل معهم لا يمكنهم رؤيتنا فعلياً، لذلك نشعر بالحاجة لأن نشرح لهم مشاعرنا بالتفصيل، ما يجعلنا نشعر أن هذه العلاقات أقوى، وأنهم أقرب إلينا مما نظن.

وهذا يضعنا في حالة أضعف حين يتعين علينا مواصلة شرح أفكارنا ومشاعرنا بالتفصيل".

ليس من الضروري أن يكون الشتاء فترة إجراء تغييرات كبيرة في حياتنا، لكن من المهم أن نفهم من أين تأتينا هذه المشاعر التي تدفعنا إلى الارتباط، حتى وإن كان ذلك لفترة مؤقتة، أو تجعلنا بحاجة إلى مزيد من التواصل مع آخرين.

تقول هرتلين: "في الجوهر، نعيش هذه الأنماط لنكون مع آخرين، انطلاقاً من رغبتنا في تشكيل جماعة أو حزمة متماسكة ونبقى أحياء.

وفي الوقت نفسه، نشعر بضغوط جراء فكرة أن البقاء بمفردك خلال فصل الشتاء ليس الطريقة المناسبة لتمضية هذه الفترة من السنة".

وسواء كانت مشاهدة الأفلام الرومانسية تمنحك مشاعر دافئة أم لا، فربما ليس من المستغرب أن يكون الشتاء مرتبطاً بأذهاننا بملازمة المنازل والرغبة في الدفء والاسترخاء.