لماذا هذا "النزق"؟!

من يرصد ويتابع ردود فعل المسؤولين والوزراء -المعلنة وغير المعلنة- على ما يصدر من آراء معارضة وانتقادات للحكومة أو السياسات الرسمية، يلمس بوضوح حالة من النزق المبالغ فيه، وغير الطبيعي أو المنطقي، وتكاد لا تفهم سبباً وجيهاً له؟!اضافة اعلان
ما حدث تحت قبة مجلس النواب من قبل نائب رئيس الوزراء يعكس هذه الحالة من النزق، كما نلحظها بوضوح في ردود فعل بعض المسؤولين والوزراء على التغطيات الإعلامية والتقارير والمقالات وعدم احتمال آراء معارضة أو حتى ناقدة، وإن كانت بسقف أقل بكثير مما كان يحدث مع حكومات سابقة، هي الأخرى، بما يشعرك وكأنّ الحكومة مأزومة فعلاً وتفتقد للبصيرة وطول النفس بالتعامل مع الاختلافات الطبيعية في الرأي.
لا يخرج على ذلك، أيضاً، ما قرأناه في بيان المركز الوطني لحقوق الإنسان عما حدث مع معتقلي الحراك من بعض الممارسات غير المعهودة في السياسة الأردنية، حتى إنّ المركز نفسه تعرّض لانتقادات مبطّنة بسبب هذا البيان، وهكذا نجد في كل مجال ضيق نفس وعدم احتمال لأي رأي مخالف أو ناقد ورغبة في عدم وجود أي صوت معارض!
الطريف أنّ حالة النزق هذه انتقلت إلى النواب والسياسيين والأحزاب، حتى في التعامل مع المجتمع والآخرين، وأصبحت السمة الرئيسة في السياسات الأردنية، من دون سبب أو داعٍ حقيقي، إلاّ حالة الخوف غير المبررة والهلع التي تعكس ضعفاً في الأداء السياسي وعدم قدرة على التعاطي مع المجتمع والقوى السياسية والمعارضة وليس العكس!
المفارقة الجليّة هي أنّ السياسة الأردنية تميّزت تاريخياً وتقليدياً بما يناقض حالة النزق الراهنة، وبينما كانت الدول تطلق الرصاص الحيّ وتزج بالمعارضين السلميين في السجون والمعتقلات، وترتكب المذابح، كان رجال الأمن في الأردن يوزعون الماء والعصير، ولعلّ هذه السياسة الحكيمة، التي تتفلسف بعض النخب بانتقادها اليوم، كان لها دور كبير في ترسيم "الدرب الآمن" الذي مضينا عليه بينما من حولنا يغرقون بالدماء والحروب الداخلية وسوء إدارة الأزمات!
تاريخياً، تحمّلت الحكومات سقوفاً مرتفعة من النقد والمعارضة السياسية، ووصلت خطابات ليث شبيلات وتوجان فيصل إلى سقوف غير مسبوقة، وشكّلت ظواهر سياسية حقيقية، وكذلك الحال في بعض خطب قيادات الإخوان المعروفين حينها، وحمل الأردن ذلك وشكّل علامة مسجّلة للحكم في الأردن في تعامله مع المعارضة والنقد وتنوع الآراء وبعد النظر!
كيف يمكن أن نفهم اليوم أنّ نافذين يضيقون ذرعاً، مثلاً، بمعن القطامين وما يقدّمه من نقد دون المستوى الطبيعي للسياسات الاقتصادية، أو أن يصبح بعض النواب بمثابة خصوم للدولة، بالرغم من أنّ خطاباتهم ضمن السقوف العادية والطبيعية؟!
إذا كانت هناك دلالة واضحة على حالة النزق هذه، فهي أنّ الحكومة ضعيفة سياسياً وغير قادرة على إدارة التعامل مع الشارع، ولا تمتلك الدفاع عن سياساتها ومواقفها، وتتجنب مواجهة الآراء المعارضة، لذلك تلجأ إلى الاتهام والتشكيك وردود الفعل الغاضبة تجاه كل معارضة أو نقد، وهذه حالة غير صحية وغير مقبولة، وتكلّف الدولة أثماناً غير ضرورية في العلاقة مع القوى السياسية والشارع!