لماذا يجب استهداف عائدات النفط الروسي؟

وسيمون جونسون*
وسيمون جونسون*
سيمون جونسون واشنطن ــ بعد مرور أربعة أشهر على غزو أوكرانيا، يواصل الجيش الروسي شق طريقه بلا هوادة عبر منطقة دونباس. ويدعو بعض المعلقين الغربيين إلى تزويد القوات الأوكرانية بالمزيد من الأسلحة بسرعة أكبر. هذا ضروري لإيقاف بوتن دون أدنى شك، لكن هل يكفي لإيقافه قريبا ــ وعلى النحو الذي لا يجعله يتوقف بشكل مؤقت فحسب لإعادة التجهيز قبل أن يبدأ موجة جديدة من العدوان الدموي؟ وفقا لمدير الاستخبارات الوطنية الأميركي أفريل هاينز، ليس من المحتمل أن ينتهي النزاع العسكري قريبا. لذا، من المنطقي استهداف اقتصاديات نظام بوتن وقدرته على شن حرب طويلة الأمد ــ أو سلسلة متكررة من الحروب ضد أوكرانيا وربما غيرها. وهنا تكمن نقطة ضعف استراتيجية كبرى تعيب نظام بوتن: اعتماد روسيا المفرط على الصادرات من الوقود الأحفوري، والتي تولد كل إيراداتها تقريبا من النقد الأجنبي ــ ما يقرب من 100 مليار يورو (104 مليار دولار أميركي) في الأيام المائة الأول من الحرب. لنتأمل هنا كيف قد يرد العالم إذا استخدمت روسيا الأسلحة النووية ضد سكان مدنيين في أي مكان. إن حالة الرعب التي سيحدثها مثل هذا التصرف الشنيع من شأنها أن تدفع كل دولة ذات ضمير إلى رفض شراء النفط (أو أي شيء آخر) من روسيا. وبهذا ستنهار إيرادات بوتن، وتنخفض قيمة الروبل بسرعة، ومن المرجح أن يجتاح التضخم روسيا. من غير المرجح على الإطلاق أن يتمكن النظام الروسي من مواصلة القتال على هذا الأساس. ففي غياب الصادرات، تُـحرَم روسيا من العملة الصعبة ــ وتصبح بلا أي سبيل لشراء الإمدادات من أي نوع من الخارج. لماذا إذن يُـحـجِـم العالم عن اتخاذ مثل هذه التدابير على الفور في ظل الظروف الحالية، في الوقت حيث تستهدف قوات بوتن المدنيين العزل وتقتلهم على نطاق واسع؟ الواقع أن قائمة الفظائع طويلة ومروعة بالفعل: القتلى والمعذبون في بوشا، والجسر في إربين، ومحطة السكك الحديدية في كراماتورسك، ومستشفى الولادة والمسرح (والتي يحمل كل منهما علامة واضحة على أنه يؤوي أطفالا) في ماريوبول، وأحدث الفظائع الهجوم الصاروخي على مركز للتسوق في كريمنشوك.

هل سيدعم الاحتياطي الفيدرالي الازدهار الشامل؟

من منظور بعض البلدان على الأقل، مات عدد كاف من الأطفال الأوكرانيين. ويجب أن ينتهي عدوان بوتن المجنون في نهاية المطاف. لماذا إذن لا نتوقف عن شراء النفط الروسي الآن؟ السبب الرئيسي هو أن الحد من كمية الصادرات من النفط الروسي قد يأتي بنتائج عكسية. تتمثل المهمة الملحة الآن في خفض العائدات الروسية من النفط، لكن يُـخشـى أن يؤدي هذا الإجراء إلى دفع سعر النفط العالمي (الـمُـسَـعَّـر بالدولار) إلى الارتفاع وبالتالي تعزيز أرباح بوتن بالدولار، حتى لو انخفض حجم صادرات روسيا. يُـحسَـب لقادة مجموعة الدول الصناعية السبع أنهم تعاملوا مع هذه القضية بشكل مباشر، من خلال الموافقة، في عموم الأمر على الأقل، على حد أقصى محتمل للسعر الذي تتلقاه روسيا. من الممكن تستمر صادرات النفط الروسية ولكن بسعر أقل من ذلك الذي كانت روسيا لتحصل عليه لولا ذلك. في حقيقة الأمر، تقترح مجموعة السبع إنشاء ما يسميه بعض المراقبين “منظمة أوبك معكوسة” ــ تحالف يستهدف عائدات بوتن النفطية بشكل مباشر. يزعم بعض الخبراء أن أسعار النفط سترتفع على أية حال أو أن السقف المحدد سيُـفـضي إلى تأثيرات جانبية غير مقصودة. لكن ماذا ينبغي لمجموعة السبع أن تفعل على وجه التحديد؟ هل ينبغي لها أن تتخذ موقف المتفرج بينما يلاحق بوتن سياسته التوسعية المختلة، متخيلا أننا نعيش في أوائل القرن الثامن عشر وأنه بطرس الأكبر؟ هل ينبغي لنا أن ننتظر إلى أن يتمكن الجنون منه تماما ويستخدم الأسلحة النووية ــ وهي الخطوة التي دأبت جهات الدعاية الروسية على الإنذار بها لعدة أشهر؟ هل ننتظر سنة، أو خمس سنوات، أو عشر سنوات إلى أن تُـعَـد الوفيات التراكمية بين المدنيين الأوكرانيين كافية أخيرا؟ الحق أن تحديد سقف للسعر فكرة جيدة، وأي ابتكار سياسي يتطلب العمل على تفاصيل عديدة. هناك أيضا ضرورة بناء تحالف دولي. لكن ما يُـطـلَـب من دول مثل الهند والصين معقول تماما: مطالبة روسيا بخصم أكبر على النفط الذي تتسلمه بالفعل منها. على النقيض من الحال قبل الغزو، لم تعد روسيا تحصل على سعر خام برنت القياسي للنفط؛ بل تتلقى هذا السعر مطروحا منه ما يسميه المشاركون في السوق “خصم الأورال”، الذي يتراوح حاليا بين 30 دولارا و35 دولارا. تُـرى ما حجم الخصم الكفيل بجذب انتباه بوتن ووقف القتل بشكل دائم؟ هل يجب أن يكون 40 دولارا؟ خمسين دولارا؟ مائة دولار؟ يتبقى لنا أن نرى هذا. إذا لم تنجح فكرة سقف السعر، فهناك خياران. يتمثل الأول في الاستسلام والسماح لبوتن بالفوز. هذا الطريق يقودنا بطبيعة الحال إلى مستقبل بالغ السوء للملايين من البشر وعار أبدي لبقيتنا. يتلخص الخيار الثاني في ما يفعله صناع السياسات الأذكياء دوما عندما يكون النظام على المحك ــ المحاولة مرة أخرى، وضبط النهج، وفرض المزيد من الضغوط. إذا لم تنل خطة مجموعة السبع بشأن تحديد سقف للسعر استحسانك، فإن الآن هو الوقت المناسب لتقديم توصياتك. وفي هذه الخطة، تأكد من فضلك إلى الإشارة إلى عدد الأوكرانيين الذين تعتقد أنهم يجب أن يموتوا قبل أن يوقَـف بوتن أخيرا. ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel *سيمون جونسون كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى صندوق النقد الدولي، وهو أستاذ في كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والرئيس المشارك لتحالف سياسات كوفيد-19. حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022. اقرأ المزيد من ترجماتاضافة اعلان