لماذا يجب على أوروبا إنقاذ لبنان من السقوط في الهاوية؟

ماركو كارنيلوس* - (ميدل إيست آي) 19/10/2019
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

اليوم، هناك مخاوف متزايدة من حدوث انهيار اقتصادي ونقدي في لبنان، بينما يواجه البلد احتمال مجابهة إفلاس على الطريقة اليونانية. وقد وصل العجز في العام 2018 إلى أكثر من 4.5 مليار دولار. ويبلغ إجمالي الدَّين العام 84 مليار دولار، وتتجاوز مدفوعات فوائد الديون 5 مليارات دولار في العام 2019، مع وصول إجمالي الإيرادات الحكومية بالكاد إلى 12 مليار دولار. كما يمكن أن يتسبب تجدد الصراع بين حزب الله وإسرائيل في وصول تناقضات لبنان الداخلية العديدة إلى نقطة الانفجار. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إغراء عدد كبير من اللاجئين السوريين بالتوجه إلى أوروبا.

  • * *
    في حين أن منسوب الاستقطاب السياسي في الشرق الأوسط يظل مرتفعاً، تزيد التوترات والحوادث من مخاطر الوقوع في سوء التقدير وحدوث تصعيد نحو صراع مفتوح.
    اليوم، تشبه المنطقة بطريقة تنذر بالخطر وضع أوروبا عشية الحرب العالمية الأولى. وفي حالة اندلاع مثل هذا الصراع، فإنه يمكن أن يجر إليه العديد من البلدان. وبالنظر إلى وضعه الداخلي المستقطب وقربه من ساحة المعركة السورية، والوضع المتوتر بين حزب الله وإسرائيل، قد يكون لبنان أحد مواقع تلك الحرب المقبلة.
    مع ذلك، وحتى قبل أن يكون ضحية جانبية لمواجهة إقليمية تلوح في الأفق، يواجه لبنان خطر الانهيار الداخلي بسبب استياء سكانه الغاضبين، الذين لم يعودوا يستطيعون تحمل الوضع الاقتصادي المؤلم والشلل السياسي الذي يضرب البلد، كما أظهرت الاحتجاجات الواسعة التي اجتاحته يوم الخميس. وكانت محاولة الحكومة الأخيرة -الخرقاء واليائسة والفاشلة- لفرض ضرائب على مكالمات "واتساب" مثالاً على مدى عدم كفايتها وانفصالها عن الواقع.
    خطة للطوارئ
    على الرغم من أبعاده الصغيرة، كان لبنان دائماً مقياساً سياسياً للمنطقة بأسرها؛ وقد جرت "البروفة" العامة للربيع العربي في بيروت في العام 2005 مع ما سُميت "ثورة الأرز" في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وكانت الآمال التي نشأت في ذلك الحين بحدوث تغيير سياسي قد تلاشت الآن لأسباب كثيرة، لعل من أهمها سوء الإدارة الاقتصادية.
    اليوم، هناك مخاوف متزايدة من حدوث انهيار اقتصادي ونقدي، بينما يواجه لبنان احتمال مجابهة إفلاس على الطريقة اليونانية. فقد وصل العجز في العام 2018 إلى أكثر من 4.5 مليار دولار. ويبلغ إجمالي الدَّين العام 84 مليار دولار، وتتجاوز مدفوعات فوائد الديون 5 مليارات دولار في العام 2019، مع وصول إجمالي الإيرادات الحكومية بالكاد إلى 12 مليار دولار.
    بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتسبب تجدد في الصراع بين حزب الله وإسرائيل في وصول تناقضات لبنان الداخلية العديدة إلى نقطة الانفجار. ويمكن أن يؤدي ذلك بالتالي إلى إغراء عدد كبير من اللاجئين السوريين بالتوجه إلى أوروبا.
    ما يزال لبنان هو البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين بالقياس إلى حصة الفرد. ويوجد في البلد الآن أكثر من 950.000 لاجئ سوري مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في حين بلغت تقديرات الحكومة لمجموع السكان النازحين السوريين نحو 1.5 مليون.
    ويحاول بعض هؤلاء اللاجئين بالفعل الانتقال إلى تركيا. وهو احتمال لا ينبغي أن يقلل من شأنه الاتحاد الأوروبي والقنصليات الأوروبية الأساسية، واضعين في اعتبارهم حالة الطوارئ التي تسبب بها اللاجئون في أوروبا في العامين 2014-2015؛ ويجب عليهم بدلاً من ذلك المسارعة إلى إعداد خطط الطوارئ لمنع هذه الموجة الجديدة من اللجوء.
    الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي ضمان وجود حكومة فعالة في لبنان، وإنقاذ البلد من الكارثة الاقتصادية التي تثير غضب مواطنيه. ولذلك، لم تعد الديناميات السياسية التي أصابته بالشلل على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية قابلة للاستمرار. ولا يمكن أن يستمر لبنان في أن يكون المكان الذي حيث تسوي الولايات المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية ووكلاؤها حساباتهم.
    حوكمة سيئة
    يجب على النخبة الحاكمة في البلاد إعطاء الأولوية لاحتياجات الناس بدلاً من العناية بامتيازاتهم الحزبية الضيقة. كما تقوم وزارة الخزانة الأميركية بتعقيد الصورة من خلال زيادة الضغط على النظام المصرفي في بيروت بقصد الضغط على حزب الله. ولعل المفارقة المضحكة هي أن عقدين من سياسة الولايات المتحدة الرسمية الصارمة ضد حزب الله لم يضعفا الحركة. وقد عمل انتخاب الرئيس ميشال عون، حليف حزب الله، في العام 2016 لصالح الحزب أيضاً.
    على الجانب الآخر، سيكون من السذاجة، على أقل تقدير، الاعتقاد بأن مشاكل لبنان كلها تعزى إلى حزب الله، كما يميل إلى الاعتقاد دائماً أولئك الخبراء المعتادون في واشنطن والقدس والرياض.
    في حين أن من الصعب تجاهل الدائرة الكبيرة من الناخبين المؤيدين لحزب الله (لديه 12 مقعداً في البرلمان، لكن العدد يرتفع مع الحلفاء إلى 70 من أصل 128 مقعداً)، مع تزايد الاضطرابات الشعبية، فإن على حزب الله أن يدرك أيضاً أنه لا يمكن للبلد بأن يستمر في أن يُحكَم بالطريقة نفسها. وتهدد الاحتجاجات العفوية الحالية أيضاً باجتياح الحركة.
    هوية سياسية
    يجب على الشعب اللبناني، بالإضافة إلى الأطراف العالمية والإقليمية الأكثر انخراطاً، التفكير في بدائل سياسية لإنهاء الجمود الحالي في لبنان. لا يمكن أن يستمر التشبث بالجهات الفاعلة السياسية نفسها التي فشلت منهجياً كل الوقت.
    يجب على أوروبا، للأسباب المذكورة أعلاه -أي الاحتمال المرعب لتدفق موجة جديدة من اللاجئين- أن تلعب دوراً مهماً، وخاصة بلدان مثل فرنسا وإيطاليا اللتين تحتفظان بمصالح مهمة في لبنان.
    لا يستطيع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الزعيم الأوروبي الأكثر نشاطاً في محاولة تخفيف التوترات، أن يفكر في إطلاق حوار أميركي-إيراني ناجح من دون تحييد بعض من الفخاخ الكثيرة التي يمكن أن تخرج هذا الجهد عن سكته، والتي يشكل لبنان واحداً من أكثرها أهمية بكل تأكيد.
    يحتاج لبنان إلى خريطة طريق يديرها أولئك الذين لم يتلوثوا بالفساد أو تورطوا في ارتكاب مخالفات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. ويحتاج لبنان إلى سياسيين معتدلين ومستقلين حقاً، والذين يستطيعون أن يوحِّدوا بدلاً من أن يقسِّموا، والذين لطالما شجعوا على الحوار بين فئات الشعب اللبناني.
    وفي نهاية المطاف، يحتاج لبنان إلى زعيم، والذي يمكن أن ينظر إلى السياسة، لأول مرة في تاريخ البلد الحديث، لا كأداة لجمع الثروة، وإنما كمهمة لتحسين حياة الناس، لأن الانهيار النهائي للبنان سوف يتجاوز جيرانه المباشرين.
    كانت الحرائق والاحتجاجات التي عصفت بالبلد في الأيام الأخيرة نذيراً قاتماً بماهية ما يمكن أن ينطوي عليه تحول لبنان إلى دولة فاشلة بالنسبة للمنطقة، وما وراءها.

*دبلوماسي إيطالي سابق. عمل في الصومال وأستراليا والأمم المتحدة. كما عمل في فريق السياسة الخارجية لثلاثة رؤساء وزراء إيطاليين بين 1995 و2011. وكان في الفترة الأخيرة منسق عملية السلام في الشرق الأوسط ومبعوثاً خاصاً للحكومة الإيطالية إلى سورية. كان حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 سفير إيطاليا لدى العراق.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Europe should save Lebanon from the abyss