لماذا يجمع الأردن في سياسته الخارجية التناقضات في سلة واحدة؟

العلم الأردني
العلم الأردني
ماهر ابوطير عمان- تتسم السياسة الخارجية للمملكة في هذه المرحلة، بكونها الأكثر جمعا للتناقضات في سلة واحدة، وإذا كان هذا بنظر الرسميين، يعبر عن مرونة، وقدرة على الانفتاح على كل القوى المؤثرة في المنطقة والعالم، الا انه يعبر في أحيان عن إفراط في التحسس بالموقف، وترقب وحذر، إزاء مآلات المنطقة وترسيمات القوى فيها، خصوصا، أن اغلب الصراعات ماتزال معلقة. هذه أكثر فترة يشهد فيها الأردن اقترابا من كل الأطراف التي تناقض بعضها البعض، وتناقض الأردن ذاته في بعض العناوين. هذا الاقتراب على ما فيه من حرفية سياسية ودبلوماسية، في ظاهره، الا انه يقول أيضا، ان الأردن متحفظ في استبصار الخرائط قبيل إعادة ترسيم الجغرافيا السياسية، ويريد منذ اليوم، ان يضمن وجوده ومصالحه، ضمن الحد الأدنى. علينا ان نتأمل انفتاح الأردن وعلاقاته الكبيرة، او حتى الأقل أهمية عبر المحاور التالية، التي تناقض بعضها البعض، في الأساس: أولا- علاقات الأردن بالأميركيين وهي علاقات قديمة جديدة، وأساسية، على كل المستويات، وفي الوقت ذاته يمتلك الأردن علاقات قوية مع خصوم واشنطن في موسكو، وهي علاقات استفاد منها على صعيد الملف السوري، وكبح تمدد الإيرانيين جنوب سورية، وهي علاقة في كل الأحوال تناقض جزئيا العلاقة مع الاميركيين. ثانيا-علاقات الأردن بإيران، عبر البوابتين العراقية والسورية، والانفتاح الكلي على العراق، والجزئي على سورية، وهو انفتاح يمر سرا او علنا، عبر البوابة الإيرانية، التي تمتلك تأثيرا واسعا في البلدين، ومهما بلغت استقلالية القرار في بغداد ودمشق، فلا يمكن فصل المؤثر الإيراني، وهذا يعني ان اقتراب الأردن من العراقيين والسوريين، يقترب من حدود المعادلة الإيرانية، بشكل او آخر، وهو اقتراب جزئي، لا يؤدي حتى الآن الى تفعيل العلاقات الأردنية الإيرانية مباشرة، وهذا الاقتراب يناقض أيضا، حسابات الأردن مع الاميركيين، ويقترب من موسكو. ثالثا-علاقات الأردن بتركيا، والتي تتمثل بإشارات كثيرة، اخرها زيارة رئيس الوزراء الى انقرة، وعلى الرغم من ان الزيارة لها اهداف عدة، الا ان الأردن هنا، يريد ان تبقى البوابة التركية مشرعة، ولا يريد اغلاقها، برغم ان هذه العلاقة أيضا، تتضارب مع علاقات اردنية خليجية، ومع حسابات أميركية-تركية جزئية، مثلما تدخل هذه العلاقة على خط علاقة الاتراك بالإيرانيين، والتأثير في سورية أيضا، وتناقض أيضا العلاقات الأردنية الإسرائيلية. رابعا-علاقات الأردن التاريخية مع الدول الكبرى في مجلس التعاون الخليجي، وهي علاقات قائمة ولها أسسها، لكنها أيضا، تأتي اليوم ضمن مسارات متوازية، قد تناقض جزئيا، مواقف واتجاهات هذه الدول، نحو تركيا وإيران وسلسلة توابعها الإقليمية في دمشق وبغداد. خامسا-علاقات الأردن مع قطر كانت فاترة، تاريخيا، وتحسنت الى حد ما خلال الشهور الأخيرة، الا انها لم تتحول الى علاقة فاعلة، بسبب رغبة الدوحة ان يختار الأردن، بينه وبين دول خليجية أخرى، حيث يفضل الأردن ان تكون هناك حالة اقتراب، دون ان يتم حسم صورتها النهائية، استنادا الى رأي في عمان يقول ان لا احد يستطيع التنبؤ بمستقبل العلاقات بين دول الخليج العربي، ولابد من التمهل في اتخاذ المواقف، حتى لا يكون الأردن مجرد فرق في الحسابات بين الاشقاء. سادسا- علاقات الأردن مع الإسرائيليين، وفيها من التناقضات الكثير، خصوصا، التناقض بين هذا المحور، وبعض المحاور السابقة، أي العلاقة مع توابع إيران في المنطقة، والعلاقة مع الاتراك، وإذا كان مسؤولون كبار في الدولة الأردنية يتحدثون عن علاقات سيئة غير معلنة، الا ان العلاقة قائمة نهاية المطاف، ويتم تسييل العلاقات المتناقضة في ذات السلة الواحدة هذه الأيام. سابعا- العلاقات الأردنية مع المصريين والفلسطينيين، علاقات جيدة، ولكل ملف حساباته، لكن القراءة الاجمالية لهذه العلاقات وتطورها والوانها تصب أيضا، في المشهد ذاته، من حيث قيام الأردن بطرق أبواب متناقضة، فهو يجمع بين المصريين والأتراك والقطريين، مثلا، على ما بينهم من تناقضات، ويجمع الفلسطينيين والإسرائيليين والعراقيين والأتراك، مثلا، على ما بينهم من تناقضات. سمات السياسة الخارجية هنا، عند الذين يرونها قدرة فذة على الجمع بين النقائض، تقترب من سمات الدول العظمى التي لديها قوى هائلة تمكنها من التحرك بمرونة دون كلفة، لكن دعونا لا نبالغ، فلسنا دولة عظمى حتى لا نقف في زاوية الفخر الزائف بهذه القدرة على الانفتاح على كل الأطراف، وحتى الدول العظمى لا تخلط بعلاقاتها بهذه الطريقة، ما لم تكن هذه العلاقات مثمرة، وذات فائدة، خصوصا، ان لكل علاقة حساباتها الاكتوارية، وليس حسبتها اللحظية. هذه الأنماط من السياسات قد تكون مكلفة جدا، في الإقليم والعالم، لان كل الأطراف تحمل عتبا او غضبا مع الإقرار هنا، ان هذه السياسة التي يتبناها الأردن حاليا، قد تكون طوق النجاح له لاحقا، لكنها بالتأكيد سياسة قد تكون محفوفة بكلف مرتفعة، خصوصا، بعد حسم صراعات المنطقة، وإعادة التموضع على مستوى الدول والشعوب، ولا احد يضمن ابدا، ان تكون هذه السياسات صحيحة، استراتيجيا. هذا يعني ان هذه الحالة في السياسة الخارجية، قد تعبر عن قوة كبيرة، وقد تعبر عن حالة حذر وترقب، لكن في الحالتين، قد تعبر أيضا عن رغبة اردنية بتحريك معادلاته في المنطقة، خصوصا، تلك المعادلات التي باتت تتسم بالجمود والفتور. كان الأردن، تاريخيا، جزءا من محاور محددة، وقد جوبهت عمان الرسمية بنقد كبير في الداخل الأردني، من حيث تعاظم الأصوات التي تريد ان ينفتح الأردن على الكل، والا يبقى محسوبا على محور واحد، خصوصا، في ظل انقلاب المعادلات، وتغيرها خصوصا في هذه التواقيت الحساسة إقليميا ودوليا. لكنه وهو ينفذ سياسات الانفتاح على كل الأطراف المتناقضة، هذه الأيام، عليه ان يكتب سيناريوهات الربح والخسارة، وكلفة عدم الاختيار، وثمن عدم الانحياز، في زمن قد يكون فيه الانحياز هو طوق النجاة، وعدم الانحياز، هو الأكثر كلفة، وبهذا المعنى يقال نهاية ان الأردن يسير على حبل مشدود في سياسته الخارجية، خياراته محدودة، ودائما ما تتسم بالدقة والحساسية.اضافة اعلان