لماذا يخرج "الخوارج"؟

بالأمس فجعت أسرة أردنية بنبأ مقتل ابنها الذي التحق بداعش في تفجير انتحاري على إحدى جبهات القتال التي يخوضها التنظيم في سورية والعراق. حادثة الأمس ليست الأولى؛ فقد قضى العشرات من الشباب الأردني في حوادث مشابهة وعاشت أسرهم وذووهم صدمة لم يفوقوا من آثارها وتداعياتها بعد.اضافة اعلان
حادثة الأمس تطرح علينا العشرات من الاسئلة التي تحتاج إلى إجابة من الأهالي والدولة وكافة مؤسساتها التي استمعت بعناية بالغة إلى خطاب جلالة الملك صباح الاثنين الماضي في الجمعية العامة واستغرق المحللون في قراءة الخطاب والتعليق عليه.
أتفهم محنة الأهل وحيرتهم؛  لكن ذلك لا يعفينا من طرح الأسئلة والبحث عن إجاباتها ..لأن في ذلك  الكثير من البيانات التي نحتاجها لبناء استراتيجية وقائية ناعمة طالما تحدثنا عنها لأنفسنا والعالم. في مقدمة هذه الاسئلة وربما أكثرها الحاحا إلسؤال المتعلق بـ
- دوافع هؤلاء الشباب وغيرهم للالتحاق بهذا التنظيم؟
- هل عرف الأهل بالتحاقهم؟
- هل كان لهؤلاء الشباب خصائص تنبئ بإمكانية التحاقهم بمثل هذه التنظيمات؟
- ماذا فعل الأهل أو النظام التعليمي الثقافي الأمني لالتقاط هذه الإشارات؟
- كيف تعامل معها؟
وغير ذلك من الأسئلة التي تبقى في أفواه الأهل والمعزين والقراء والسامعين والساسة والمحللين على حد سواء.
في الخطاب الذي القاه جلالة الملك أمام الجمعية العامة مؤخرا عرف الإسلام وبين أن لا صلة له بالإرهاب والتطرف، لافتا إلى الأوضاع  التي يتولد فيها ومنبها للأخطار وداعيا لأهمية التصدي لها بمسؤولية ووعي وحزم إضافة الى تقديم وصفة تساعد على محاصرة الظاهرة وتجفيف روافد تناميها وتحصين المجتمعات ضد شرورها.
على أرض الواقع يوجد في الأردن بعض السياسات والمبادرات والممارسات والسلوك السياسي الذي يدعم ما جاء في خطاب الملك ويبرهن على مصداقية الطرح؛ فالأردن فتح أبوابه لكل الفارين من ويلات الحروب والصراعات دون حسابات دقيقة للكلفة التي تمثلها الاجراءات على اقتصاده ونوعية حياة ابنائه. وفي الاردن يتمتع الجميع بحقوق متساوية بصرف النظر عن الدين أو العرق أوالأصول، اضافة الى المبادرات التي استجابت إلى نزعات الكراهية والطائفية والانقسام كرسالة عمان وكلمة سواء وغيرها.
على الجانب الآخر هناك اخطار مقلقة ومفزعة احيانا؛ يقع في مقدمتها استمرار التحاق الشباب من كافة الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية بالتنظيم الذي أشبعناه إدانة واستنكارا. بعض الشباب يأتون  من أسر ذات مراكز ونفوذ سياسي.
من الناحية الفعلية لا يوجد على الأرض برامج اجتماعية تربوية ثقافية فعالة لتفكيك بنية خطاب التطرف والكراهية المتجذر في كثير من الأوساط الاجتماعية والثقافية وتتفجر أعراضه يوميا في المشاجرات الجماعية وحوادث القتل التي تتنامى وترتكب لأسباب يصعب استيعابها من قبل المحققين والهيئات القضائية.
الفضاء الإعلامي مشبع بالتطرف والكراهية والتكفير ورفض الآخر فهناك اكثر من 100 قناة تلفزيونية دينية متخصصة يقوم عليها اشخاص يقدمون اجابات وفتاوى لاسئلة واستفسارات الشباب المأزوم واصبحوا يحظون بشهرة تفوق نجوم الموسيقى والطرب والسياسة.
الفتاوى التي تصلنا من شيوخ بلدان الجوار تلقى قبولا واسعا لدى جماهير الاتباع والمريدين والشيوخ الذين يجوبون مدرجات جامعاتنا يحظون بجماهيرية تعكس تحولات عميقة في طرق تفكير وشعور وسلوك شبابنا وفشل مؤسساتنا في اقناعهم واستقطابهم.
البطالة تتعمق معدلاتها عاما بعد عام  لتصبح مزمنة. وكثير من سياساتنا الداخلية فيما يخص السكان والهجرة والحكم المحلي وتنمية الاقاليم متضاربة وخلافية ولا جدوى لها. والمتهمون بقضايا الفساد يطلون بين فترة وأخرى  ليشغلوا  الرأي العام بأقوال وقصص تغذي الاشاعات التي تشكك في جدية الاصلاح.
تفكيك خطاب الكراهية والتكفير يستدعي وضع اسس فلسفية جديدة للدولة وادارتها تقوم على افتراض ان الطبيعة الانسانية خيرة، والكرامة الانسانية مرتكز اساسي والعدل مبدأ لا مساومة عليه والمساواة غاية تحترم في كل الاجراءات والفساد سلوك لا يحتمل ايا كان مرتكبه. هناك حاجة ملحة الى اعادة بناء المناهج وتعديل محتوياتها وايجاد مرافق وبرامج رياضية وثقاية وبحثية في كل بلداتنا وقرانا لادارة واستثمار وتنمية طاقات الصغار والشباب واكتشاف مواهبهم وقدراتهم عوضا عن الاساليب القائمة على التلقين والشك واساليب الملاحقة والتشكيك التي تضع المؤسسة التربوية في مواجهة مع جمهورها. التمكين يعني اتاحة الفرص للجميع لاستثمار إمكاناتهم في بيئة تنافسية عادلة تزخر بالفرص الميسرة للجميع وتحترم التنوع وتطبق القانون. مسؤولية المدرسة لا تتوقف عند تقرير أعداد الناجحين وغير الناجحين بل تتسع لتشمل توفير الفرص المناسبة للجميع.
وأخيرا فإن شعارات الوسطية والاعتدال وتقبل الآخر لا تتحقق في بيئة تنتهك فيها الحقوق وتهدر الكرامة، فالأمن الإنساني يبدد الإحساس بالخوف والكراهية والقلق وعداء الآخر ويوجه الجميع لحماية المجتمع والدفاع عن منجزاته.