لماذا يدفع 2 % فقط من الصينيين ضريبة الدخل؟

Untitled-1
Untitled-1
ترجمة: علاء الدين أبو زينة تقرير خاص - (الإيكونوميست) 29/11/2018 "بالطبع لا، أنا لست أحمق!"، هكذا أجاب ليو يونغ لي، السائق في بكين، عندما سُئل عما إذا كان قد دفع ضريبة دخل شخصية في أي وقت. وعلى الرغم من أنه يكسب دخلاً أعلى بكثير من العتبة المعفاة من الضرائب، إلا أن السيد ليو (ليس اسمه الحقيقي) يفسر بوضوح أنه لم يواجه أي عواقب على التهرب الضريبي. وقد تساعد آراء غير المبالين من أمثاله على تفسير السبب في أن ضرائب الدخل الشخصي شكلت 8 % فقط من إجمالي الإيرادات الضريبية في الصين العام الماضي، مقارنة بمتوسط 24 % في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، oecd، وهي مجموعة من الدول الغنية. تقدر وزارة المالية الصينية أن 187 مليون شخص يجب أن يدفعوا ضريبة دخل. ومع ذلك، يعتقد مسؤول مالي سابق أنه في العام 2015، لم يفعل ذلك سوى 28 مليون شخص -أي 2 % فقط من مجموع السكان. ومن الناحية النظرية، فإن إصلاح ضريبة الدخل الذي تعكف عليه السلطات، والذي تصفه "صحيفة الشعب" اليومية، والناطقة الرئيسية باسم الحزب الشيوعي، بأنه الأكثر أهمية في تاريخ البلد، يدور حول تضييق القاعدة الضريبية وليس توسيعها. وقد تم رفع عتبة استحقاق الضريبة من 3.500 يوان (503 دولار) إلى 5.000 يوان شهرياً في الأول من تشرين الأول (أكتوبر). وتقول وزارة المالية الصينية إن عدد الأشخاص المؤهلين لدفع ضريبة الدخل يجب أن ينخفض إلى 64 مليوناً نتيجة لذلك. لكنها تبدو مصممة أيضاً على جعل أولئك الذين يدينون بضرائب يدفعونها فعلاً -وهو تغيير يمكن أن تكون له تداعيات دراماتيكية على السياسة. كان إحداث تجديد لنظام ضريبة الدخل قيد التخطيط والعمل منذ سنوات عدة. وقد تكون فضيحة التهرب الضريبي التي تكشفت هذا الصيف، والتي تورطت فيها فان بينغ بينغ، أشهر ممثلة صينية، وكشف عنها مُبلِغ عن المخالفات وأظهرت أن الممثلة تهربت من دفع ضرائب تصل إلى 300 مليون يوان، قد زادت من إلحاح هذه المهمة. (تم تغريم السيدة فان في النهاية 884 مليون يوان). إشعال النيران الاهتمام العام بموضوع الضريبة هائل. وقد اجتذب "تمرين التشاور" الذي ترعاه الدولة حول الإصلاح في تموز (يوليو) أكثر من 130.000 تعليق من الجمهور. ويبلغ هذا المعدل نحو 100 ضعف المتوسط لمثل هذه التمارين، والذي يتطلب القانون من البرلمان الوطني أن يقوم بإجرائه قبل الموافقة على أي قوانين جديدة. لطالما اشتكى الموظفون الذين يعملون برواتب في المدن الكبرى من أنهم يتحملون حصة غير معقولة من العبء الضريبي. ويأتي ذلك لأن الشركات مطالبة قانوناً بحجز جزء من الرواتب للضرائب. أما الأغنياء، الذين لا يأتي دخلهم عادة في صورة راتب، وأولئك الذين يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، مثل السيد ليو، فيجدون أن من السهل عليهم نسبياً تجنب رجل الضرائب. وحتى أصحاب الرواتب يمكنهم تجنب دفع الضرائب عن طريق الترتيب لتلقي معظم رواتبهم تحت الطاولة، نقدا، مبقين على دخولهم المعلنة أقل من المستوى الذي تستحق عليه ضريبة الدخل. ويوافق أصحاب العمل على هذا الاحتيال لأنه يسمح لهم بالتنصل من مساهماتهم في التأمين الاجتماعي، والتي قد تصل إلى 40 % من راتب العامل. تعتقد وزارة المالية بأن العامل الذي يتقاضى راتباً شهرياً قدره 15 ألف يوان يتمتع بوفورات تبلغ حوالي 1000 يوان شهرياً نتيجة لرفع عتبة الدخول المعفاة من الضرائب. وستؤدي الخصومات الخاصة التي تدخل حيز التنفيذ في كانون الأول (يناير) من أجل التعليم والرعاية للمسنين والإيجارات، إلى جانب النفقات الأخرى، إلى زيادة المدخرات الضريبية. وقال متحدث باسم الوزارة أن الإصلاح سيؤدي إلى خسارة 320 مليار يوان من العائدات؛ أي ما يقرب من ربع ما تجمعه الحكومة حالياً من ضريبة الدخل. لكن الإصلاحات تتضمن أيضاً أحكاماً تهدف إلى أن تجعل من الأكثر صعوبة على الشركات تفادي دفع مساهمات التأمين الاجتماعي من خلال الدفع للعاملين تحت الطاولة. وسوف يُطلب من الذين يحصلون على أكثر من 60 ألف يوان سنوياً تقديم إقرارات ضريبية سنوية، ابتداءً من العام المقبل. وقد تنتهي المعاملة الضريبية التفضيلية للمكافآت السنوية، كما يلاحظ فريمان بو من شركة المحاسبة، إرنست أند يونغ. وستكون هناك المزيد من عمليات التدقيق والتحقيقات، كما تتوقع إلين تونغ من شركة ديلويت، وهي شركة محاسبة أخرى. وسوف يواجه المغتربون، الذين كانوا يجدون من السهل تجنب دفع الضرائب عن دخولهم في أنحاء العالم، تدقيقاً أكبر. ومن المحتمل أن تقنع الأحكام الرامية إلى منع التهرب الضريبي في القانون الجديد الكثيرين "بإعادة النظر" في سلوكهم الضريبي، كما تقول غريس لين من شركة "كواترياساساس" للمحاماة. ينوي السيد ليو، السائق، تحدي تعديلات الحكومة. وهو يعتقد أن معظم الناس لن يدفعوا الضرائب على الرغم من اللوائح الجديدة. فالجميع يعرف "أن هناك نقطة توازن في الغش" كما يقول: العاملون يضنون بدفع الضرائب لأنهم لا يثقون في أن الحكومة ستنفق أموالهم بحكمة. ويستشهد السيد ليو بمبادرة الحزام والطريق، وهي مشروع عالمي لإنشاء البنية التحتية، باعتبارها هبات لا يمكن الدفاع عنها للدول الفقيرة. ويشرح أن لدى الحكومة ما يكفي من "الوعي الذاتي" لإدراك أن غض الطرف عن المتهربين من الضرائب يصب في مصلحتها السياسية الذاتية. لكن الصين عانت من عجز في الميزانية في 21 من السنوات الاثنتين والعشرين الماضية. وفي العام الماضي، خرق العجز السقف الذي فرضته الحكومة على نفسها، والمحدد بنسبة 3 % من الناتج المحلي الإجمالي. ويقف الدَّين العام عند نسبة 50 % من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من أن أياً من هذه الأرقام لا ينذر بالخطر، لا سيما بمعايير العالم الغني، فإن تباطؤ النمو الاقتصادي سيؤدي في النهاية إلى جعل السيطرة على ديون الحكومة أكثر صعوبة. لا عجب، إذن، أن يكون المسؤولون حريصين على زيادة الإيرادات. وعادة ما تفضل الأنظمة الاستبدادية تقاضي الضرائب غير المباشرة مثل الضرائب الاستهلاكية، لأسباب ليس أقلها أنها أقل إثارة للاستياء من ضريبة الدخل. وإذا تمكنت الحكومة من توسيع صفوف دافعي الضرائب، فإنها قد تشعر بالضغط لتقديم المزيد من التفاصيل حول كيفية إنفاق أموالهم، وربما أن يصبح لديهم رأي في كيفية استخدامها. وكما يشير بروس غيلي من جامعة ولاية بورتلاند في بحث حديث، فإن الاستياء من فرض ضريبة على الملح في ظل الحكومة القومية، ساعد على دفع الحزب الشيوعي إلى سدة السلطة. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Why only 2% of Chinese pay any income taxاضافة اعلان