لماذا يرى قادة إيران تهديدات في احتجاجات العراق ولبنان؟

22
22

فرناز فصيحي* - (نيويورك تايمز) 31/10/2019
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

المظاهرات الضخمة المناهضة للحكومة في العراق ولبنان، والتي تخالط البعض منها مشاعر السخط والعداء تجاه إيران، عرّضت مصالح إيران فجأة للخطر.

  • * *
    غالبا ما يحتج المسؤولون في هرم القيادة الإيراني ويشجبون الولايات المتحدة، وإسرائيل، والمملكة العربية السعودية باعتبار أنها تشكل تهديدات مباشرة لأمن إيران ونفوذها الإقليمي. لكن السلطات في طهران حولت اهتمامها مؤخراً إلى مصدرين جديدين للقلق: لبنان والعراق.
    المظاهرات الضخمة المناهضة للحكومة في كلا البلدين، والتي يشوب البعض منها مشاعر العداء والاستياء تجاه إيران، عرّضت مصالح إيران فجأة للخطر. كما أنها أثارت أيضاً احتمال إلهام قيام احتجاجات مماثلة داخل إيران نفسها.
    إذا نجح المحتجون اللبنانيون والعراقيون في الإطاحة بحكومتيهم وإضعاف الأحزاب السياسية الراسخة ذات العلاقات العميقة مع قادة إيران، فإن إيران ستخسر عقوداً من الاستثمارات المالية والسياسية والعسكرية التي حولتها إلى واحدة من أكبر القوى في الشرق الأوسط.
    يوم الأربعاء، قام المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، الذي يحظى باحترام وتوقير بعض الشيعة اللبنانيين والعراقيين كقائد روحي، بالتنديد بالاحتجاجات -وهي إشارة إلى الخطر الذي يراه متربصاً فيها. كما أغلقت إيران العديد من المعابر الحدودية مع العراق أمام المسافرين والتجارة، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية.
    وقال آية الله خامنئي في خطاب له: "تقوم وكالات الاستخبارات الأميركية والغربية، بمساعدة أموال من دول المنطقة، بالتحريض وإشعال الاضطرابات في المنطقة. إنني أنصح لبنان والعراق بإعطاء الأولوية للاستقرار وتهدئة هذه التهديدات الأمنية".
    كما تم تصوير الأحداث في كلا البلدين بشكل سلبي في الإعلام الإيراني. ووصف المسؤولون والمعلقون المحافظون في إيران هذه الانتفاضات بأنها "فتنة" -وهو مصطلح كانوا قد استخدموه في المظاهرات المحلية المناهضة للحكومة في العامي 2009 و2017. واقترح البعض أن المحرضين الأميركيين والإسرائيليين والسعوديين عمدوا إلى إذكاء الاضطرابات من أجل إضعاف إيران وخلق انقسامات بينها وبين حلفائها الإقليميين الرئيسيين.
    لكن المسؤولين الإيرانيين يشعرون بالقلق أيضاً من القوة المعدية للاحتجاجات الشعبية في البلدان المجاورة لهم والمظالم المشتركة التي يتقاسمها اللبنانيون والعراقيون مع نظرائهم من الإيرانيين العاديين. وتتجذر الموجة الأخيرة من الاحتجاجات التي جرت على مستوى البلاد في إيران في العام 2017، شأنها في ذلك شأن نظيراتها العربيات اليوم، في الاقتصاد والبطالة والسخط والإحباط من الفساد الحكومي.
    في العراق، أثار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي يوم الخميس قبل الماضي احتمال استقالته. وقبل يومين من ذلك، كان رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، قد أعلن استقالته. وليس هناك ما يشير إلى أن الاحتجاجات في العراق أو لبنان سوف تنحسر في أي وقت قريب.
    يقول جوزيف باهود، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "تصوُّر القيادة الإيرانية هو أن هذه الحركات تشكل تهديداً وجودياً". ومع ذلك، كما يقول: "ما يزال لديهم الكثير من الأوراق ليلعبوها قبل اللجوء إلى العنف المفتوح لسحق هذا التحرك".
    وقال آية الله خامنئي في خطابه إنه أمر قوات الأمن باليقظة وبأن تكون مستعدة لمواجهة الانتفاضات. وتشير تعليقاته إلى أنه ربما كان يريد من وكلاء إيران الشيعة في العراق ولبنان أن يكافحوا الحشود في هذين البلدين. وتعمل منظمة حزب الله في لبنان والعديد من الميليشيات الموالية لإيران في العراق تحت إشراف فيلق الحرس الثوري الإيراني.
    وقال محللون إن إيران ستحاول استخدام تكتيكات مختلفة لمواجهة الاحتجاجات. في لبنان، يتمثل الهدف في تقسيم الحركة الاحتجاجية ونأي الشيعة بأنفسهم -بمن فيهم الجماعتان السياسيتان الشيعيتان المهيمنتان، حزب الله وحركة أمل- عن الدعوة للإطاحة بالمؤسسة السياسية بأكملها.
    وكان زعيم حزب الله، حسن نصر الله، قد طلب بالفعل من المؤيدين الابتعاد عن الشوارع. وأشار، مثلما فعل آية الله خامنئي، إلى أن دولاً أجنبية هي التي حرضت على الاحتجاجات وأذكتها.
    كما تعتمد إيران أيضاً على التخويف لتفريق المحتجين اللبنانيين. يوم الثلاثاء، داهم مجموعة أفراد من ميليشيا بملابس مدنية سوداء اللون، والذين وصفهم آخرون بأنهم موالون لحزب الله، موقع الاحتجاج الرئيسي في وسط بيروت، وقاموا بضرب المتظاهرين وتفكيك خيامهم. ومنذ ذلك الحين، تراجعت أعداد الحشود في الميدان. والآن، مع استقالة السيد الحريري، يلوح في الأفق احتمال حدوث فراغ سياسي في لبنان إذا لم يتم تشكيل حكومة جديدة في القريب.
    يشكل العراق تحياً أكثر تعقيداً لإيران. وقد ذهب اللواء قاسم سليماني، قائد قوة النخبة التابعة للحرس الثوري، والذي كان قد زار العراق مرات عدة في السنوات الأخيرة، إلى بغداد مؤخراً لمساعدة الحكومة على إدارة الانتفاضة. وفي المدن التي يقطنها الشيعة حيث يوجد للميليشيات المدعومة من إيران قاعدة قوية، مثل مدينة كربلاء المقدسة، تشير التقارير إلى أن الاشتباكات كانت عنيفة.
    على عكس اللبنانيين، كان العراقيون ينتقدون إيران علانية -يحرقون علمها، ويهتفون مطالبين بمغادرتها، ويشوهون الوجوه على الملصقات التي تحمل صور آية الله خامنئي، ويهاجمون مقر الميليشيات الشيعية التي يدعمها الحرس الثوري الإيراني. كما تحدى رجل الدين الشيعي والسياسي العراقي البارز، مقتدى الصدر، إيران وانحاز إلى جانب المحتجين. وحضر السيد الصدر مظاهرة في مدينة النجف يوم الثلاثاء وهو يلف علم العراق حول كتفيه. ودعا السيد الصدر حكومة العراق إلى الاستقالة.
    وفي المقابل، حاول السياسيون والمعلقون الإيرانيون المتشددون علناً تأجيج صراع داخلي بين الشيعة أنفسهم في المنطقة. وقد وصفوا المحتجين بأنهم دمى في يد الغرب، وانتقدوا السيد الصدر باعتباره شيعياً "طفيليًا" غير مبدئي ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته.
    كتب حسين شريعتمداري، رئيس تحرير جريدة "كيهان" المحافظة وأحد متشاري آية الله خامنئي، مقالاً يدعو فيه العراقيين واللبنانيين إلى الاستيلاء على السفارتين الأميركية والسعودية. ودعا المعلق السياسي، حميد رضا زاندي، الناس إلى حرق الأعلام الأميركية والسعودية ليكون ذلك بمثابة قول "لا كبيرة" للانتفاضات.
    وقال محللون إن لدى إيران سابقة في دعم الانتفاضات في المنطقة بطريقة انتقائية إذا كانت تتفق مع أيديولوجيتها وأهدافها. فخلال الربيع العربي، على سبيل المثال، دعمت إيران المتظاهرين ضد حكومات مصر واليمن والبحرين. وفي سورية، انحازت طهران إلى الحكومة ضد المتظاهرين وكان لها دور أساسي في مساعدة الرئيس بشار الأسد على كسب اليد العليا ضد المتمردين في الحرب الأهلية السورية التي استمرت لأكثر من ثماني سنوات.
    وقال نادر الهاشمي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر: "لن يسمح خامنئي، الذي استثمر الكثير في المنطقة على الصعيدين المالي والقوى العاملة، للمتظاهرين بتقويض الهيمنة الإقليمية لإيران. مهما تكلف الأمر".

*صحفية إيرانية-أميركية حائزة على العديد من الجوائز. تكتب في صحيفتي وول ستريت جورنال والنيويورك تايمز. حصلت في العام 2018 على ميدالية الشرف تقديراً "لمساهمتها المتميزة" في المجتمع الأميركي. تركز على الكتابة عن الدبلوماسية والأمم المتحدة. وهي مؤلفة كتاب "انتظار يوم عادي"، وهو مذكرات عن أعوامها الأربعة التي قضتها في تغطية حرب العراق وشهدت على تفكك الحياة الاجتماعية للمواطنين العراقيين. فازت بست جوائز في الصحافة الوطنية بسبب تغطيتها للانتخابات الرئاسية الإيرانية في العام 2009. وهي زميلة نيمان 2015 في جامعة هارفارد.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Iran’s Leaders See Threats in Iraq and Lebanon Protests