لماذا يستمر البشر في خوض الحروب؟

جهاديون أجانب جاؤوا لخوض الحرب في سورية - (أرشيفية)
جهاديون أجانب جاؤوا لخوض الحرب في سورية - (أرشيفية)

ستيف تيلر - (الغارديان) 5/8/2014

ترجمة عبد الرحمن الحسيني

بالنظر إلى مصادفة ذكرى مرور مائة عام هذه الأيام على دخول بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، وفي لحظة يبدو فيها العالم الآن ممزقاً بسبب ذلك الصراع بشكل خاص، فإن ذلك يشكل مناسبة للتساؤل عن السبب في أن بني البشر ما يزالون غير قادرين على التوقف عن خوض الحروب.اضافة اعلان
في معظم الحالات، تكون الحكومات، وليس الشعوب، هي التي تبادر إلى شن الحروب. وفي معظم الأوقات تكون الحروب نتاجاً لحالات نزاع حول الموارد والأرض، أو لرغبة الحكومة في زيادة بسط نفوذها وسلطتها. ومع ذلك، ولدى إلقاء نظرة وراء إلى تاريخ الحروب، فإن ما يبعث على الصدمة أكثر ما يكون هو الرغبة التي يبديها الناس في خوض غمار هذه الحروب -أو تأييدها على الأقل.
عندما انضمت بريطانيا العظمى إلى الحرب العالمية الأولى في آب (أغسطس) من العام 1914، احتفت بذلك حشود ضخمة خارج قصر بكنغهام. وقد انتشر هذا المزاج الاحتفالي في عموم أوروبا. وفي معرض كتابته عن رد فعل الجمهور الألماني على الحرب، وصف المؤرخ ألان بولوك ذلك "الشعور الذي لا يضاهى بالوحدة القومية التي لن ينساها أولئك الذين خبروها. إنه شعور مبهج بالوطنية".
كان العالم النفساني الأميركي المبكر، وليام جيمس، قد قال ذات مرة إن الحرب تكون في العادة سائدة جداً نظراً لآثارها النفسية الإيجابية. فهي تخلق إحساساً بالوحدة في وجه التهديد الجماعي. وهي ترص صفوف الناس معاً -ولا يكون الجيش وحسب منخرطاً في المعركة، وإنما المجتمع كله أيضاً. وهي تجلب إحساساً بالتعاضد والتماهي مع الأهداف المجتمعية، وتلهم المواطنين الاعتياديين (وليس الجنود وحسب) بالتصرف بأمانة ومن دون أنانية من أجل خدمة الصالح العام. وهي توفر معنى وهدفاً وتتسامى على رتابة الحياة اليومية. كما أن الأعمال الحربية تتيح الفرصة للتعبير عن القيم الإنسانية الأعلى التي غالباً ما تكون ساكنة في الحياة العادية، مثل الشجاعة والتضحية بالذات.
يبدو هذا معادلاً للقول إن بني البشر يخوضون الحروب لأننا نستمتع بفعل ذلك. ومن السهل رؤية كيف أن آراء جيمس يمكن تطبيقها على أعداد ضخمة من الرجال البريطانيين الشباب الذين تطوعوا للقتال في سورية في الشهور الأخيرة. وينظر هؤلاء الشباب إلى أنفسهم على أنهم يقاتلون من أجل قضية عادلة مع إخوانهم المسلمين، كما أنهم متأكدون من أنهم يسعون إلى الإحساس بالشعور الأكثر حيوية مما يصفه جيمس: إحساس بالتعاضد والشرف، والذين يشعرون -ربما بطريقة رومانسية- بأنه يكون أكثر تحققاً في الحرب منه في الوطن في المملكة المتحدة.
تقوم حجة جيمس على أساس أن بني البشر يحتاجون إلى إيجاد نشاطات تنتج الآثار الإيجابية نفسها التي تنتجها الأعمال الحربية، لكنها لا تنطوي على الكارثية نفسها، أو كما يصفها: "المعادل الأخلاقي للحرب". وبكلمات أخرى، يجب علينا إيجاد نشاطات بديلة لتعطينا الإحساس بالعيش بحيوية، وبالانتماء وبالغاية.
في البلدان المستقرة التي تنعم بالسلام والمتطورة اقتصادياً بطريقة أفضل، مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، تتميز الحياة بأنها غنية ومتنوعة جداً بحيث أن هناك طرقاً عديدة لإشباع هذه الاحتياجات -من خلال الرياضة والحرف التي نمارسها وترفيهنا وهواياتنا. ومع ذلك، وفي أماكن أخرى من العالم حيث تتميز الحياة بالصعوبة بشكل خاص -عندما يعيش الناس في الفقر ويكونون مقموعين، وحيث ثمة القليل من الأمل في المستقبل، كما هو واقع الحال في غزة في فلسطين وفي أنحاء عدة في أفريقيا- يكون من الأصعب إشباع تلك الدوافع.
قد تخدم الحرب باعتبارها أكثر الصفات البشرية المشتركة انخفاضاً لتقديم مظهر من الإيجابية النفسية، محاولة للعيش "في مستوى أعلى من القوة"، وفق كلمات جيمس، مع توفر الإحساس بالتماسك والغاية. وإذا لم تتم تلبية هذه الاحتياجات، وإذا كان هناك عدو أو مضطهد واضح يمكن توجيهها نحوه، فعندها تكون الحرب حتمية على الأغلب.
لا يعني هذا القول إن الطرف الذي يخوض حرباً قد لا تكون لديه قضية عادلة، كما أن هذه المحاججة لا تأخذ في الاعتبار عوامل اجتماعية ونفسية أخرى مهمة منخرطة في خوض الحرب، مثل الهوية الاجتماعية والاستقصاء الأخلاقي. ومع ذلك، تظهر أن أي سلام مستقر ومستدام يعتمد على خلق مجتمعات تتوافر على ثراء في الفرص والتنوع، والتي تستطيع الوفاء بالاحتياجات الإنسانية. ولعل حقيقة أن العديد جداً من المجتمعات في عموم العالم تفشل في فعل ذلك تجعل فرص السلام المستقبلية تبدو قاتمة جداً.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:
 Why do human beings keep fighting wars؟