لماذا يكره الناس النقد؟

فعلاً: لماذا يكره الناس وبخاصة المسؤولين النقد حتى وإن كان بناء وفي صالحهم؟ بمعنى أنه إذا كان يدور حول الموضوع لا الشخص، أو الوزارة وليس الوزير؟ في محاولة للإجابة على هذا السؤال يمكن القول أن تقدير الذات الخاص أو الزائد عند المنقود هو السبب الرئيس لكراهية النقد حتى وأن كان بناء أو موضوعياً. إنها الحساسية النفسية الشديدة التي تكونت منذ الطفولة عنده نحو النقد، فقد نشأ مدللاً، أو كان يوصف بالذكي أو الموهوب، أو المحبوب، أو المطلوب... فكيف يجرؤ واحد بعد ذلك على المس به /أو بعمله / أو بأدائه ؟ إنه مغرض ونقده مرفوض. إنه لا يستخدم النقد للتعلم وتحسين العمل أو الأداء، لأنه يعتقد أنه ختم العلم وصار مكتفياً ذاتياً وليس بحاجة إلى المزيد. ويطلق على هؤلاء النفر لقب أصحاب العقل الثابت أو الجامد (Fixed Mindset) لأنه لا ينمو بعد ذلك. "ومثله إذا كان نمو المرء العاطفي أو النفسي طفلاً، قلقاً، أي انه كان يحس أنه غير مقبول من أحد الوالدين أو من كليهما، أو أنه كان يشعر بالضياع والوحدة في العالم المعقد من حوله، فإنه قد ينشأ حساساً جداً نحو النقد، أو مستجيباً له. إن ذلك يعتمد على طبيعة استجابته لنقد والديه، فإذا كان يعمل على نيل قبولهم له في البيت والمدرسة، فإنه يرحب بالنقد فيما بعد. وأما إذا "مضى بعيداً" في الابتعاد أو التمرد والمقاومة فإنه يرفض فيما بعد أي نقد يوجه إليه، وفي كثير من الأحيان يعمل بعكسه ليثبت وجوده وقوة شكيمته. والنقد شكل من أشكال الضغط على المنقود ليتغير. وبما أن التغير صعب، فإن أصحاب العقلية الثابتة يرفضونه، بمعنى أنهم يرفضون التغيير. وتزداد صعوبة التغيير طردياً مع درجة ثبات أو جمود البنية العقلية. أما المشكلة الثالثة للنقد فرؤية المنقود للنقد كتهديد لشخصه، أو لمعتقداته. وهو بدلاً من التعلم من النقد، فإنه يزداد أنانية أو تمسكاً أو تطرفاً بمعتقداته ظناً منه أنه بذلك يجهض النقد ويفشل الناقد. أما المشكلة الرابعة للنقد فرؤية المنقود للنقد كتوزين له أو كحكم عليه (judged ) فيرفض النقد، ويغضب على الناقد وعلى وسيلة النقد: جريدة أو وسيلة اجتماعية... من هو هذا... الذي يصدر أحكاماً عني أو على أدائي؟ ألا يعرف من أنا؟. لا يختلف الناقد الموضوعي عن المحرر في مجلة عملية معتمدة إذ عندما يصل إليه مقال، أو دراسة، أو بحث، فإنه يراجعها بدقة متناهية: لغة، وعلماً، وترقيماً، وإيقاعاً وحسب سياسة المجلة، وقد يزيد نقده لأحدها عن حجم المقالة، أو الدراسة، أو البحث، ويرسله إلى صاحبها، طالباً منه إعادة صياغتها في ضوء ذلك، كدليل لقبولها فيما بعد، أو مهملٍ لها كدليل على الرفض. إذا كان صاحب/ة المقالة، أو الدراسة، أو البحث.. تعلمياً فإنه يرى في نقدها فرصة ليتعلم وليثبت نفسه، فيمضي في إعادة صياغتها حسب متطلبات المحرر. أما إذا كان غير تعلُّمي أي ثابت العقلية، يعتقد أنه مكتمل العلم، وأن المحرر متحامل، وأنه لا يفهم، فإنه يرفض النقد، لائماً المحرر عليه ليبرر لنفسه أنه فوق هذا النقد، فيقعد ذميماً مدحوراً. وكما ترون فإن مهمة الناقد والمحرر.. البحث عن أي عيب أو خلل، وان المنقود السوي ذا العقل النامي بالتعلم الدائم، يرحب بالنقد، ولا يشعر بالتهديد، أو بحكم يصدر عليه عند كل نقد. أي إنه إذا بالعقل قد سما فإنه يقول لنفسه: مرحباً بالنقد. وأخيراً: اعلم أن كل نقد موضوعي أو بناء (وليس السب والشتم...) هدّام لكنه أيضاً خلاق (Creative destruction) لأنه يركز على الأخطاء والسلبيات في سبيل الإيجابي.اضافة اعلان