لمصلحة مَن تفكيك "القائمة المشتركة"؟

يتصاعد القلق بين أوساط فلسطينيي 48، حول شكل خوض الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، التي تشارك فيها غالبية الأحزاب، وغالبية فلسطينيي 48، بصفتها حلبة مواجهة مباشرة أمام الحُكم الصهيوني في عقر مؤسسته؛ على ضوء احتمال لتفتت تحالف "القائمة المشتركة"، الذي أقيم في انتخابات 2015، وحقق إنجازا انتخابيا غير مسبوق، في تمثيل فلسطينيي 48 في الكنيست، 13 مقعدا. اضافة اعلان
وهذا الإنجاز أقلق الصهاينة، إن كانوا في الائتلاف أو في المعارضة. وكانت "القائمة المشتركة" محطّ هجوم دائم، تحريضا على فلسطينيي 48 ككل. وجرت محاولة لتفتيت هذه الشراكة، من خلال "إغراء" تخفيض نسبة الحسم للتمثيل البرلماني، التي ارتفعت قبل الانتخابات الأخيرة، سعيا لضرب تمثيل فلسطينيي 48، اعتقادا منهم، أنه لا يمكن رؤية شراكة تجمع الشيوعيين والإسلاميين، وأيضا ذوي التوجه القومي.
وبطبيعة الحال، فإنهم صُدموا من هذه الشراكة، القائمة أصلا، شعبيا، منذ ثلاثة عقود ونيّف، تحت اطار لجنة المتابعة العليا لقضايا فلسطينيي 48، وتضم كل الأطر السياسية، تحت الهدف الأساس: وحدة فلسطينيي 48 في خندق النضال، ضد سياسات الحُكم الصهيوني، والاحتلال. وهذه شراكة تعكس المسؤولية الوطنية القصوى لدى فلسطينيي 48، مهما اختلفوا في التوجهات، ومهما احتدمت الخلافات الداخلية، وهي قائمة فعلا.
وحقيقة أن الشراكة البرلمانية في العام 2015، تمت تحت ضغط رفع نسبة الحسم للتمثيل البرلماني، إلى 3,25 % بدلا من 2 % القائمة حتى انتخابات 2013. إلا أن المركبات الأربعة في "القائمة المشتركة"، ارتكبت خطأ في أنها انجرفت في التعريف الإسرائيلي لمثل هذه التحالفات.
ففي القاموس السياسي الإسرائيلي، فإن تحالفا كهذا، يصبح تعريفه "حزبا"، بينما المشتركة تضم أربعة أطر سياسية، ذات اختلافات واضحة في التوجهات الفكرية، ليست قليلة. مثل الشراكة بين الشيوعيين والإسلاميين، الذين قرروا بمسؤولية وطنية عليا، جسر الفجوة في التوجهات المجتمعية، لأن المعركة الأساس، هي وحدة الكل الفلسطيني، في وجه مخططات الحركة الصهيونية، الاقتلاعية.
وهذا الخطأ، ساهم في رفع مستوى الحساسيات، خاصة في مفهوم "رئاسة القائمة". فلا لأحد وهم بأن رئيس القائمة، بمعنى المرشح الأول فيها، كان مَن كان، وهو من أحد الأطر السياسية، قادر على أن يفرض املاءاته على الأطر الأخرى في القائمة؛ وأصلا هو ليس قادرا على فعل هذا في حزبه، القائم على مفهوم القواعد الحزبية، وهرمية الهيئات القيادية.
وكان على الشركاء في "القائمة المشتركة" تعميق فكرة ومفهوم الشراكة السياسية، بقيادة جماعية للقائمة. وعدم الغرق في مفاهيم "السياسة الإسرائيلية"، التي باتت في العقود الثلاثة الأخيرة، قائمة على النجومية السياسية، والتقليل إلى ما يلامس الصفر، من أهمية الفكر والهيئات والمؤسسات الحزبية، التي كانت قائمة عليها، حتى أحزاب إسرائيلية.
الجدل القائم الآن، قائم على المحاصصة في تركيبة القائمة المشتركة، وكيفية اختيار المرشحين. فهناك من يطالب باستفتاء الناس، وهناك من يرى أن الترشيح يجب أن يكون من الأحزاب. فاستفتاء عموم الناس يكون في يوم الانتخابات. والناس تنتخب توجهات وبرامج سياسية، تمثلها أحزاب. وفي كل دول العالم هناك مقاييس للاعتراف بالحزب. وفي حالتنا، تضاف إلى هذا مقاييس ميدانية لمعرفة حقيقة وجود الحزب على الأرض؛ من نتائج انتخابات، برلمانية وبلدية ونقابية؛ ولكن الأهم، القدرة على تحشيد الناس في النضالات الميدانية، ضد سياسات الحُكم الصهيوني.
ولنكن واقعيين، فنحن فلسطينيو 48 لسنا موحدين في ساحاتنا الداخلية، فالمنافسة الحزبية قائمة، كأي مجتمع وشعب آخر. وفي السنوات الأخيرة، أطلت من جديد "فئويات أخرى"، من بينها ما هي ستار هش لأحزاب صهيونية خطيرة على شعبنا، تحاول تفتيت وحدتنا الكفاحية. وهذا برز في الانتخابات البلدية الأخيرة، وخلقت تناحرات مقلقة جدا. والمهمة الوطنية يجب أن تكون إنهاء هذه التناحرات، والتصدي لأصابع مسمومة تدسها الأحزاب الصهيونية، وليس استغلالها خدمة لاصطفافات "حزبية" ليست واقعية.
إن المصلحة الوطنية الصادقة، تتطلب التصدي حقا، لما يخطط له الصهاينة، وخاصة عصابة الأزعر بنيامين نتنياهو، والحفاظ على القائمة المشتركة، كمفهوم شراكة كفاحية حقيقية، وليست إطار انصهار للأحزاب بما تحمله. وأن يتم تشكيل القائمة وفق أسس واقعية واضحة، محكومة للحضور الميداني الفعلي، بعيدا عن النجومية، وإصلاح خلل التمثيل الذي كان في العام 2015، دون أي مناوبات على المقاعد.