لمعالجة الظاهرة بين الأطفال.. مطالبات بتعريف "التسول المنظم"

طفل يتسول على إحدى الإشارات الضوئية في عمان-(أرشيفية)
طفل يتسول على إحدى الإشارات الضوئية في عمان-(أرشيفية)
هديل غبّون

توافقت خبيرات ومختصات في قضايا تسول وعمل الأطفال، على ضرورة اعتماد تعريف محدد لـ”التسول المنظم”، ومواءمة التشريعات الناظمة ذات العلاقة، مع الدعوة للتوجه نحو تعميم التخصص القضائي لهذا النوع من القضايا، على مختلف درجات التقاضي في المحاكم.

وعرضت القاضية ورئيسة ديوان التشريع والرأي السابقة فداء الحمود، والمديرة التنفيذية لجمعية “تمكين للمساعدة القانونية” لندا كلش، ورئيسة قسم التفتيش للحد من عمل الأطفال بوزارة العمل هيفاء درويش، أبرز التحديات والمعوقات القانونية والتطبيقية أمام معالجة الظاهرة جذريا، خلال ندوة متخصصة عقدت في منتدى شومان الثقافي، وأدارتها الزميلة الصحفية رانيا الصرايرة مساء أول من أمس. وقالت الحمود في مداخلتها، إن هناك نصوصا تشريعية، تتعامل مع حالات التسول للأطفال، ما أدى لحدوث إرباك قانوني في تطبيق بعض النصوص في قوانين الأحداث المتعلقة بالتسول والعقوبات ومنع الاتجار بالبشر. وبينت في هذا السياق، أنه بالرغم من إدخال تعديلات على قانون منع الاتجار بالبشر في 2021، تضمن تجريما لـ”التسول المنظم” كجناية، لكنه ورد بلا تعريف. وأشارت الحمود إلى عدم تعريف “التسول المنظم” عند تسجيل قضايا تسول وإحالتها للقضاء بشبهة الاتجار بالبشر للأطفال في المادة (3) من القانون، ووجود نصوص أخرى كالمادة (389) من قانون العقوبات التي عدلت في 2022، وجرمت “تسخير الآخرين في التسول”، برغم رفع العقوبة من سنة إلى سنتين، لكن قرارات المحاكم اتجهت نحو تكييف هذه القضايا لـ”التسخير في التسول”، وعقوبتها جنحة صلحية، ولم تكيف بـ”جرم الاستغلال في التسول المنظم”، بموجب قانون منع الاتجار بالبشر، مشيرة إلى أن كلا منهما يختلف في الإجراءات وقانونية التعامل. وشددت الحمود، على ضرورة ضبط مفهوم “التسول المنظم” لأن هناك أيضا آراء فقهية متباينة فيه، وأن الاجتهاد القضائي فيه متعدد، مبينة أنه “بكل أمانة لقد كان غياب تعريف التسول المنظم عائقا أمام تفعيل نص المادة (3) من قانون منع الاتجار بالبشر المعدل لسنة 2021”. وأوضحت الحمود التي عملت سابقا قاضية أحداث، بأن القضاة عادة ما يلجأون للقانون الأخف في حال “الشك في التكييف”، لأنه من مصلحة المتهم، ولذلك كان لا بد من تعريف “التسول المنظم”. وأضافت أن “القضايا التي تحال بشبهة الاتجار بالبشر من دائرة مكافحة الاتجار بالبشر، يعاد تكييفها لدى القضاء”، داعية لتعميم الاختصاص في القضاء بهذه القضايا، وزيادة التأهيل في كل درجات القضاء، لاعتبارات تتعلق بصعوبة إثبات “القصد الخاص”. كما تطرقت إلى أن التكييفات القضائية بعد مراجعتها لأحكام قضائية للأحداث، تبين أن التكييف يتوزع بين قانوني العقوبات ومراقبة سلوك الأحداث الذي ينص على عقوبة من يستخدم حدثا في التسول، إذ أن نص قانون العقوبات، تضمن عقوبة أشد، وفقا لها. أما كلش، فاعتبرت أن مشكلتي تسول وعمل الأطفال عولجت في النصوص التشريعية والإجراءات، لكن حقيقة حجمهما يتطلب دورا على مستوى الدولة، ولا يتعلق بوزارات بعينها، مع ارتباطهما بمشاكل الفقر والبطالة والأوضاع الاقتصادية. ورأت كلش، أن وجود بيئة تعليمية حكومية “طاردة وغياب الترفيه عنها”، يدفع الأطفال إلى التسرب المدرسي والبحث عن عمل، كما أن للفقر دورا في عمل الأطفال، مشددة على ضرورة رفع منسوب الوعي الاجتماعي بظاهرة التسول التي يستجيب الناس لها، من منطلق ثقافي اجتماعي عاطفي مرتبط بمفهوم الصدقة. وقالت إن الحاجة ماسة أيضا لوجود برامج تأهيل بعد عملية الضبط بالنسبة للأطفال العاملين أو المتسولين، ما ينسحب على قضايا عديدة، فيما عبرت عن أملها بتفعيل الاستراتيجية الوطنية للحد من عمل الاطفال التي أطلقت مؤخرا، وقالت إن “الموضوع بحاجة لرقابة أكبر ومعالجات جذرية”. وأشارت إلى الحاجة لرفع قدرات العاملين في التفتيش بوزارة العمل، ودعم كوادر العمل من كوادر في مؤسسات أخرى، فيما قالت بشأن التكييف القضائي لقضايا الاتجار بالبشر خلال الأعوام 2009 و2019، إن الأحكام القضائية خلال تلك المدة لم تتضمن قرارا واحدا يتعلق بـ”عمل الأطفال”. مضيفة “لدينا تسول بسبب الحاجة والاستمراء به، وهناك امتهان للتسول”، مؤكدة أن أشكالية التسول، تكمن في أن هناك تسولا بسبب الحاجة والاستمراء به، وهناك امتهان التسول وهناك نظرة اجتماعية خاطئة للتسول. من جهتها، قالت درويش إن أي إحصاءات يجري تداولها عقب المسح الوطني الذي أجرته الوزارة في 2016 حول حجم عمالة الأطفال، وكشف حينها عن 76 ألف طفل عامل، هي “أرقام تقديرية” وليست مبنية على مسح منهجي، مشيرة إلى أن ما يجري تداوله بشأن ارتفاع الأعداد إلى 100 ألف طفل عامل غير دقيقة. وكشفت درويش، عن مسح جديد بصدد إجرائه قريبا، بخاصة وأن جائحة كورونا وكلفة إجراء المسح حالت دون إجرائه في 2020، وأن هذا النوع من المسوحات يجري عادة كل 3 إلى 5 سنوات، لافتة إلى السياسات التي طبقتها الوزارة للحد من عمالة الأطفال، بما في ذلك أتمتمة نظام التفتيش على المنشآت، وتلقي الشكاوى، مبينة أن نسبة التفتيش على الأطفال في المنشآت ضمن برامج الوزارة للتفتيش، يشكل 16 % من مجمل الزيارات. واعتبرت أن هذه النسبة، وإن لم تكن كافية، فهي “معقولة”، مبينة أن الوزارة تتعامل مع الأطفال حقوقيا وقانونيا فقط، ممن يجري تشغيلهم من “صاحب عمل”، إذ تتخذ الوزارة الإجراءات القانونية بحقه، بينما تتولى الأطراف ذات العلاقة كوزارتي التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية عبر الربط الإلكتروني بقية الإجراءات ضمن اختصاصاتها. أما عن انخفاض عدد المخالفات المرصودة لأصحاب العمل المشغلين للأطفال في التقارير الدورية للوزارة، أوضحت درويش بالقول إن مفتشي الوزارة الذين بلغ عددهم اليوم 170 مفتشا، تشمل مهماتهم التفتيش على تطبيق 142 بندا قانونيا في قانون العمل، ولا يقتصر الأمر على المواد من 73-77 من القانون المتعلقة بالأطفال، عدا عن التحديات الأخرى التي قد تتعلق بطغيان الجانب الإنساني في هذه القضايا أو شح البيانات المرتبطة بصاحب العمل. وبينت درويش أن إنشاء الوزارة” غرفة سيطرة” خلال 2022 أسهم في تفعيل الإجراءات، إذ جرى تزويد المفتشين بكاميرا لتوثيق الرصد الميداني، وهي مربوطة تماما بالنظام الالكتروني للوزارة والوزارات المعنية. وقالت إن من بين التحديات أيضا، الخطأ في المعلومات المدخلة للمبلغين عن عمالة الأطفال عبر النظام الالكتروني، بخاصة وأن الوزارة تنحصر مسؤولياتها في عمل الأطفال، المرتبط بـ”مشغل”، أكان في منشأة قائمة أو غير قائمة.

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان