لم أعد أومن بدولة يهودية

جنود إسرائيليون يتجادلون مع فلسطينية تحتج على هدم سقيفة حيوانات غير مرخصة في الضفة – (المصدر)
جنود إسرائيليون يتجادلون مع فلسطينية تحتج على هدم سقيفة حيوانات غير مرخصة في الضفة – (المصدر)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة بيتر بينارت – (نيويورك تايمز) 8/7/2020 سوف يقول المنتقدون أن الدول ثنائية القومية لا تعمل. لكن إسرائيل دولة ثنائية القومية بالفعل. ثمة شعبان، متساويان تقريباً في العدد، يعيشان تحت السيطرة المطلقة لحكومة واحدة. (حتى في غزة، لا يمكن للفلسطينيين استيراد الحليب أو تصدير الطماطم أو السفر إلى الخارج من دون إذن من إسرائيل). وأدبيات العلوم السياسية واضحة: المجتمعات المنقسمة تكون أكثر استقرارا وأكثر سلاما عندما تمثل الحكومات العاملة فيها جميع سكانها. * * * كنت في الثانية والعشرين من عمري في العام 1993 عندما تصافح إسحق رابين وياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض، ليبدآ رسمياً عملية السلام التي أمل الكثيرون في أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وكنت أجادل دائماً منذ ذلك الحين، دفاعا حل على أساس دولتين -أولا في المناقشات غير الرسمية وفي الليل المتأخر، ثم في المقالات والخطابات. كنت أؤمن بإسرائيل كدولة يهودية لأنني نشأت في عائلة كانت قد قفزت من قارة إلى قارة بينما انهارت المجتمعات اليهودية في الشتات. ورأيت تأثير إسرائيل على جدي وأبي، اللذين لم يكونا أبدا سعيدين وآمنين كما كانا عندما أصبحا ملتفين بمجتمع من اليهود. وعرفت أن إسرائيل كانت مصدرا للراحة والفخر لملايين اليهود الآخرين، الذين عانت بعض أسرهم من صدمات أكبر من التي عانت منها عائلتي الخاصة. في أحد الأيام في مرحلة البلوغ المبكرة، مشيت عبر مدينة القدس، وقرأت أسماء الشوارع التي تصنف التاريخ اليهودي، وشعرت بتلك الراحة وذلك الفخر أنا نفسي. كنت أعلم أن إسرائيل مخطئة في حرمان الفلسطينيين في الضفة الغربية من الجنسية والمواطنة، والإجراءات القانونية الواجبة، وحرية الحركة وحق التصويت في البلد الذي يعيشون فيه. لكن حلم حل دولتين الذي يمنح الفلسطينيين دولة خاصة بهم، جعلني آمل أن أتمكن من أن أظل ليبرالياً ومؤيدًا للدولة اليهودية في نفس الوقت. لكن الأحداث أخمدت ذلك الأمل. يعيش حوالي 640.000 مستوطن يهودي الآن في القدس الشرقية والضفة الغربية، وقامت الحكومتان الإسرائيلية والأميركية بتجريد الدولة الفلسطينية من أي معنى حقيقي. وتتصور خطة السلام التي وضعتها إدارة ترامب أرخبيلا من المدن والبلدات الفلسطينية المتناثرة عبر 70 في المائة فقط من الضفة الغربية، تحت السيطرة الإسرائيلية. وحتى زعماء أحزاب إسرائيل التي يفترض أنها من يسار الوسط لا يدعمون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتمتعة بالسيادة. وأقيمت في الضفة الغربية أحدث كلية للطب في إسرائيل. إذا أوفى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعهده بفرض السيادة الإسرائيلية في أجزاء من الضفة الغربية، فإنه سيضفي الصفة الرسمية على واقع قائم منذ عقود: في الممارسة، ضمت إسرائيل الضفة الغربية منذ فترة طويلة. لقد اتخذت إسرائيل قرارها بالكامل: دولة واحدة تضم ملايين الفلسطينيين الذين يفتقرون إلى الحقوق الأساسية. ويجب علينا، نحن الصهاينة الليبراليين، أن نتخذ قرارنا الآن أيضا. حان الوقت للتخلي عن حل الدولتين التقليدي وتبني هدف المساواة في الحقوق لليهود والفلسطينيين. حان الوقت لتخيل وطن يهودي، والذي لا يكون دولة يهودية. يمكن أن تأتي المساواة في شكل دولة واحدة تضم إسرائيل، والضفة الغربية، وقطاع غزة والقدس الشرقية، كما اقترح كُتّاب مثل يوسف منيِّر وإدوارد سعيد؛ أو يمكن أن تكون كونفدرالية تسمح بحرية الحركة بين بلدين متكاملين بعمق. (أناقش هذه الخيارات بمزيد من التفصيل في مقال في مجلة "تيارات يهودية"). سوف تكون عملية تحقيق المساواة طويلة وصعبة، وسوف تواجه على الأرجح مقاومة من المتشددين الفلسطينيين واليهود على حد سواء. لكنها ليست شيئاً خيالياً. لقد أصبح هدف المساواة الآن أكثر واقعية من هدف الانفصال. والسبب هو أن تغيير الوضع الراهن يتطلب رؤية قوية بما يكفي لخلق حركة جماهيرية عريضة. ولا تعرض دولة فلسطينية مجزأة تحت السيطرة الإسرائيلية مثل هذه الرؤية، لكن المساواة تستطيع أن تفعل. بشكل متزايد، لا يعود قيام دولة واحدة متساوية الحقوق شيئاً يفضله الشباب الفلسطيني فحسب. إنها شيء يفضله الشباب الأميركيون أيضا. سوف يقول المنتقدون أن الدول ثنائية القومية لا تعمل. لكن إسرائيل دولة ثنائية القومية بالفعل. ثمة شعبان، متساويان تقريبا في العدد، يعيشان تحت السيطرة المطلقة لحكومة واحدة. (حتى في غزة، لا يمكن للفلسطينيين استيراد الحليب أو تصدير الطماطم أو السفر إلى الخارج من دون إذن من إسرائيل). وأدبيات العلوم السياسية بهذا الخصوص واضحة: المجتمعات المنقسمة تكون أكثر استقرارا وأكثر سلاما عندما تمثل الحكومات العاملة فيها جميع سكانها. هذا هو الدرس الذي تقدمه ايرلندا الشمالية. عندما استبعد البروتستانت والحكومة البريطانية الكاثوليك، قتل الجيش الجمهوري الايرلندي ما يقدر بـ1.750 شخصًا بين العامين 1969 و1994. وعندما أصبح الكاثوليك شركاء سياسيين متساوين، توقف العنف إلى حد كبير. وهو الدرس الذي تعرضه جنوب أفريقيا، حيث أيد نيلسون مانديلا الكفاح المسلح إلى أن كسب السود حق التصويت. وينطبق هذا الدرس على إسرائيل-فلسطين أيضا. نعم هناك فلسطينيون ارتكبوا أعمالا إرهابية. لكن الأمر يكون كذلك مع أعضاء العديد من الجماعات التي تعاني من الاضطهاد. ويُظهر التاريخ أنه عندما ينال الناس حريتهم، فإن العنف يتراجع. وعلى حد تعبير مايكل ملكيور، الحاخام اليهودي الأرثوذكسي وعضو مجلس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي قضى أكثر من عقد من الزمن في إقامة علاقات مع قادة حماس: "لم أقابل حتى الآن شخصا واحدا غير راغب في صنع السلام". أخبرني الحاخام ملكيور مؤخراً أنه ما يزال يؤيد حلاً على أساس دولتين، لكن وجهة نظره تتجاوز أي ترتيب سياسي معين: أن الفلسطينيين سيعيشون بسلام إلى جانب اليهود عندما يتم منحهم الحقوق الأساسية. إن ما يجعل من الصعب على العديد من اليهود فهم هذا هو ذكرى المحرقة. وكما كتب الباحث الإسرائيلي يهودا إلكانا، أحد الناجين من المحرقة، في العام 1988، فإن "ما يحفز الكثير من سلوك المجتمع الإسرائيلي في علاقاته مع الفلسطينيين ليس الإحباط الشخصي، بل بالأحرى ‘عامل’ وجودي عميق يغذيه تفسير خاص لدروس المحرقة". وتدفع عدسة المحرقة هذه العديد من اليهود إلى افتراض أن أي شيء أقل من دولة يهودية يعني انتحاراً يهودياً. ولكن، قبل المحرقة، لم يكن الكثير من الصهاينة البارزين يعتقدون ذلك. وكتب مؤرخ الجامعة العبرية دميتري شومسكي في كتابه "ما وراء الدولة القومية": "لم يكن التطلع إلى دولة قومية شأناً مركزياً في الحركة الصهيونية قبل الأربعينيات". وقد أصبحت الدولة اليهودية الشكل السائد للصهيونية. لكنها ليست جوهر الصهيونية. إن جوهر الصهيونية هو وجود وطن يهودي في أرض إسرائيل، مجتمع يهودي مزدهر يمكن أن يوفر الملجأ والتجديد لليهود في جميع أنحاء العالم. كان هذا هو ما أحبّه جدي وأبي -ليس دولة يهودية وإنما مجتمعا يهوديا؛ وطنا يهوديا. يمكن أن تكون إسرائيل-فلسطين وطنا يهوديا، والذي يكون أيضا، وبقدر مساو، وطنا فلسطينيا. ويمكن أن يجلب بناء هذا الوطن التحرر -ليس للفلسطينيين فحسب، وإنما لنا نحن أيضا. *Peter Beinart أستاذ الصحافة والعلوم السياسية في كلية نيومارك للصحافة في جامعة مدينة نيويورك، ومحرر عام في مجلة "تيارات يهودية" Jewish Currents. *نشر هذا المقال تحت عنوان: I No Longer Believe in a Jewish Stateاضافة اعلان