لم يتبقَ لدياب بديل غير الاستقالة

figuur-i
figuur-i

هآرتس

تسفي برئيل

بعد ثمانية اشهر على تعيين حسان دياب رئيسا لحكومة لبنان، تفككت حكومته وتحولت الى حكومة انتقالية. "اجهزة الفساد اكبر من الحكومة"، شرح مهندس الحاسوب ووزير التعليم السابق السبب الرئيس لاستقالته. دياب لم يذكر اسماء اجهزة الفساد، لكن في لبنان هي معروفة جيدا: الزعماء السياسيون، رؤساء الجهاز البنكي، اصحاب رؤوس الاموال، وسطاء ومقربون، وبالاساس كل نظام الحكم.اضافة اعلان
حكومة دياب ولدت بعد مخاض مؤلم وبعد استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي ترك وظيفته بعد مظاهرات الاحتجاج الصاخبة التي اندلعت في شهر تشرين الاول الماضي. دياب ورث الازمة الاقتصادية الاصعب في تاريخ لبنان، وانظمة الضغوط التقليدية التي حددت اولويات النظام وعمليات اتخاذ القرارات.
حزب الله والى جانبه رئيس الدولة ميشيل عون، تحكموا بقوة بجدول اعمال الحكومة. وزراء في الحكومة بدؤوا عملهم بتوجيه الانتقاد لرئيس الحكومة ولوزراء آخرين، ووباء كورونا ساهم بدوره وكشف عمق الفجوة في الميزانية التي اتسعت في السنوات الاخيرة. البنوك اوقفت سحب الدولارات، والرواتب دفعت بتأخير، هذا اذا دفعت، والديون للمستشفيات تراكمت بالمليارات ومصادر التمويل والقروض اغلقت امام الدولة الفقيرة.
حتى قبل الانفجار في ميناء بيروت فإن حكومة لبنان وقفت على شفا الانهيار. وزير الخارجية استقال قبل يوم من ذلك، وفي اعقابه استقال وزيران وسبعة اعضاء في البرلمان. ميناء بيروت الذي هو مؤسسة فاسدة شكلت مصدر تمويل لعصابات وسياسيين – وأقل من ذلك للحكومة التي حصلت فقط على نحو 40 في المائة من مدخولاته رغم أنها المالكة له – كان أحد الرموز البارزة للجهاز الفاسد في الدولة.
المظاهرات العنيفة والواسعة التي اندلعت في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة يلقي خطاب استقالته، تدل على أن هذه الخطوة لن تهدئ الجمهور. الجيش وقوات الامن ما تزال تنجح بصعوبة في تقييد اتساع المظاهرات وتفريق جزء منها. ولكن في الشوارع تسمع نداءات لاستخدام السلاح، والمسافة بين مواجهات صوتية صارخة وصدامات مسلحة آخذة في التقلص. الطلب هو ليس فقط استبدال الحكومة، بل ايضا طرد جميع اعضاء البرلمان المشاركين في ما يعتبر جريمة ضد الشعب.
وعن انتخابات مسبقة تحدث دياب قبل بضعة ايام، لكن في الوضع الذي فيه لبنان بحاجة الى حكومة مستقرة يمكنها ادارة مفاوضات مع الدول المانحة والحصول على مساعدات كبيرة من اجل الخروج من الأزمة، وبالأحرى بعد الانفجار في الميناء، كان يبدو أن استقالة الحكومة فقط ستزيد من شدة الازمة وستعيق برامج المساعدات. ولكن ازاء العصيان المدني الآخذ في التعاظم لم يكن امام دياب مناص عدا عن تقديم استقالته للرئيس.
امام الرئيس عون توجد الآن امكانية لأن يعين بسرعة رئيس حكومة جديد يقوم بتشكيل حكومة متفق عليها. حكومة يمكنها تهدئة الجمهور وادارة الازمة. ولكن يبدو أن حكومة متفق عليها هي في الوقت الحالي مفهوم أخذ من الخيال العلمي. أي رئيس حكومة سيعين سيضطر الى الحصول على دعم النخب الفاسدة التي فقدت ثقة الجمهور بها، دون أن يكون في يديه الوسائل المطلوبة من اجل تنفيذ، حتى لو جزء بسيط، من الاصلاح الذي يمكنه اقناع الدول المانحة بالتجند لصالح لبنان.
الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون، نجح في أن يجند بسرعة تعهد لمساعدة دولية تبلغ 300 مليون دولار تقريبا. ولكن هذه الاموال مخصصة لمساعدة المتضررين المباشرين من الانفجار، ولايجاد بدائل سكنية لنحو 300 ألف مشرد، واصلاح المصانع التي تضررت وتأييد الخدمات الصحية التي اجتازت حدود الأهلية. قبل تحويل هذه المساعدة ستضطر حكومة لبنان والدول المانحة الى تشكيل اجهزة رقابة على تحويل هذه الاموال، حيث إن الشرط الذي اقترن بالمساعدة هو أن هذه الاموال لن تعطى للحكومة أو لممثليها، بل ستعطى مباشرة للمتضررين أو بواسطة جمعيات خيرية.
هذه الاموال لن يستخدمها لبنان لتسديد ديونه الكبيرة لتي تبلغ نحو 90 مليار دولار، أو لإعادة إصلاح شركة الكهرباء أو تجديد البنى التحتية الانتاجية واعادة بناء الميناء، أي حكومة جديدة ستعين ستبدأ من تلك النقطة التي انتهت فيها الحكومة السابقة لدياب، والتي ستمارس دورها كحكومة انتقالية بدون صلاحية اتخاذ قرارات تتعلق بالميزانية أو قرارات سياسية.
انتخابات مبكرة للبرلمان، كما يطالب الجمهور، هي عملية مركبة ومتعبة اكثر بكثير. السؤال الرئيسي هو حسب أي قانون انتخاب سيتم اجراء هذه الانتخابات. القانون الذي تم سنه في العام 2017 أضر بممثلي الاحزاب السنة وعمل في صالح حزب التيار الوطني الحر للرئيس عون وحزب الله. الكتلة السنية التي يقودها سعد الحريري وحزبه يتوقع أن تعارض تطبيق القانون الجديد، وسيطالب بتعديلات تساعدها على زيادة نصيبها في البرلمان.
ولكن حتى اذا تم الاتفاق على طريقة الانتخابات، فإن اجراء الانتخابات في فترة الكورونا، مع الترتيبات التقنية والتباعد الاجتماعي الذي يمليه الوباء، يمكن أن يواجه بصعوبات حقيقية أو مختلقة، لأن الاحزاب القوية – منها حزب الله وحزب الرئيس – ستحاول افشال العملية التي من شأنها المس بقوتها السياسية. المخرج الحقيقي هو تشكيل حكومة جديدة تتعهد بإجراء انتخابات خلال فترة زمنية قصيرة. ولكن هذا المسار مليء بألغام متفجرة: حكومة كهذه ستضطر الى تنفيذ سلسلة من الاصلاحات الاقتصادية العميقة اذا ارادت الحصول على المساعدة طويلة الامد التي تحتاجها الدولة.
الرئيس الفرنسي اوضح للقيادة اللبنانية بأن أي مساعدة مشروطة بتنفيذ اصلاحات، تتضمن من بين امور اخرى، كبح نفقات الحكومة وتحقيق شفاف مع البنك المركزي وعمليات اتخاذ قراراته واصلاح الجهاز البنكي وتشريع متشدد ضد الفساد وتبني "ميثاق سياسي جديد" تحاول القيادة السياسية فهم مضمونه. هل ماكرون يقصد تقسيم جديد لمراكز القوة والغاء التقسيم الطائفي؟ هل القصد هو ابعاد حزب الله عن الحكومة وعن البرلمان؟ هل القصد هو فتح قنوات لشراكة سياسية مع حركات الاحتجاج؟ كل سؤال من هذه الاسئلة يشكل قاعدة لمواجهة سياسية شديدة بين ذوي المصالح، الذين خلال عشرات السنين حلبوا الدولة ودهوروها الى الهاوية الاقتصادية التي توجد فيها الآن.
كل قرار سيتم اتخاذه لا يمكن أن يكون مفصول عن الاصوات العالية التي تسمع في الشوارع. الشعب اللبناني سبق واثبت قوته على تغيير الواقع من خلال المظاهرات – هو الذي تسبب بانسحاب القوات السورية من لبنان في 2005 وهو الذي أدى الى اسقاط حكومات. هذا الجمهور يعمل الآن مثل برلمان بديل يشرف على ويراقب نشاطات كل حكومة سيتم تشكيلها. في نفس الوقت، بدون مساعدة منظمة وثابتة وبدون شبكة أمان اقتصادية برعاية دولية، فإن لبنان يمكن أن يتحول الى ساحة منافسة دولية فيها دول مثل الصين وروسيا وايران وتركيا ستحاول أن تجد لنفسها مواقع اقتصادية، وفي الاصل سياسية، مثلما حدث في سورية ومثلما يحدث الآن في ليبيا.